كان ملك في الزمان الأوّل, وكان مثقلا كثير الشحم لا ينتفع بنفسه, فجمع المتطببين وقال:
احتاوا اليّ بحيلة يخفّ عني لحمي هذا قليلا.
فما قدروا له على شيء, فبعث له رجل عاقل أديب متطبّب فاره, فبعث اليه وأشخصه فقال له: عالجني ولك الغنى.
قال: أصلح الله الملك, أنا متطبّب منجّم. دعني أنظر الليلة في طالعك: أي دواء يوافق طالعك فأسقيك.
فغدا عليه, فقال: أيها الملك, الأمان؟
قال: لك الأمان.
قال: رأيت طالعك يدلّ على أن الباقي من عمرك شهر, فان أحببت عالجتك, وان أردت بيان ذلك, فاحبسني عندك, فان كان لقولي حقيقة فخلّ عني, والا فاستقص مني.
فحبسه, ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس, وخلا وحده مهتما كلما انسلخ يوم ازداد غمّا حتى هزل وخف لحمه, ومضى لذلك ثمانية وعشرون يوما, فبعث اليه وأخرجه. فقال: ما ترى؟
قال: أعز الله المك. أنا أهون على الله عز وجلّ من أن أعلم الغيب, والله ما أعرف عمري, فكيف أعرف عمرك؟ انما لم يكن عندي دواء الا الغمّ, فلم أقدر أن أجلب اليك الغمّ الا بهذه العلّة.
فأجازه وأحسن اليه.
• حدّثنا أبو الحسن بن الحسن بن محمّد الصالحي الكاتب قال:
رأيت بمصر طبيبا كان بها مشهورا يعرف بالقطيعي يكسب في كل شهر ألف دينار من جرايات يجريها عليه قوم من رؤساء العسكر, ومن السلطان, ومما يأخذه من العامّة. وكان له دار قد جعلها شبه المرستان من جملة داره يأوي اليها الضعفاء والمرضى فيداويهم ويقوم بأغذيتهم وأدويتهم وخدمتهم, وينفق أكثر كسبه على ذلك.
فاتفق أن بعض فتيان الرؤساء بمصر أسكت, فجعل اليه أهل الطب, وفيهم القطيعي, فأجمعوا على موته الا القطيعي. وعمل أهله على غسله ودفنه, فقال القطيعي:
أعالجه وليس يلحقه أكثر من الموت الذي قد أجمع هؤلاء عليه.
فخلاه أهله معه, فقال: هات غلاما جلدا.
فأتي بذلك, فأمر به, فمدّ وضربه عشر مقارع أشدّ الضرب ثم مسّ جسده, ثم ضربه عشرا أخر, ثم جسّ مجسّه, ثم ضربه عشراأخر, ثم جسّ مجسّه, وقال: أيكون للميّت نبض؟
قالوا: لا.
قال: فجسّوا هذا النبض.
فجسّوه فأجمعوا أنه نبض متحرّك.
فضربه عشر مقارع أخر, ثم قال: جسّوه.
فجسّوه, فقالوا قد زاد نبضه.
فضربه عشرا أخر, فتقلّب, فضربه عشرا فتأوّه, فضربه عشرا فصاح, فقطع عنه الضرب. فجلس العليل يتأوّه, فقال له: ما تجد؟
قال: أنا جائع.
فقال: أطعموه.
فجاؤوا بما أكله, فرجعت قوّته, وقمنا وقد برئ.
فقال له الأطباء: من أين لك هذا؟
قال: كنت مسافرا في قافلة فيها أعراب يخفروننا, فسقط منهم فرس عن فرسه, فأسكت, فقالوا: قد مات؟ قال: فعمد شيخ منهم فضربه ضربا شديدا عظيما, وما رفع الضرب عنه حتى أفاق, فعلمت أن الضرب جلب اليه حرارة أزالت سكتته, فقست عليه أمر هذا العليل.
• روى بشر بن الفضل قال:
خرجنا حجاجا, فمررنا بمياه من مياه العرب, فوصف لنا فيه ثلاث أخوات بالجمال وقيل لنا: انهن يتطببن ويعالجن.
فأحببنا أن نراهنّ, فعمدنا الى صاحب لنا, فحككنا ساقه بعود حتى أدميناه, ثم رفعناه على أيدينا وقلنا: هذا سليم (اللديغ الذي لدغته أفعى أو عقرب) فهل من راق؟
فخرجت أصغرهن, فاذا هي جارية كالشمس الطالعة, فجاءت حتى وقفت عليه, فقالت: ليس بسليم.
قلنا: وكيف؟
قالت:لأنه خدشه عود بالت عليه حيّة ذكر, والدليل أنه اذا طلعت عليه الشمس مات.
فلما طلعت الشمس مات. فعجبنا من ذلك.
شكا رجل الى طبيب وجع بطنه فقال: ما الذي أكلت؟
قال: أكلت رغيفا محترقا.
فدعا الطبيب بكحل ليكحله, فقال الرجل:
انما أشتكي من وجع بطني لا عيني.
قال: قد عرفت, ولكن أكحلك لتبصر المحترق, فلا تأكله.