سعيد هلال الشريفي
مر زمن طويل لم أدخل خلاله صالة مسرح أو سينما, حتى كدت أخشى أن يأتي يوم أعترف فيه بأنني لم أعد أطيق القراءة أيضاً.
وأتساءل هامساً في السر بين وقت وآخر: من أو ما الذي تغير؟ مزاج القرن الحادي والعشرين الذي اقتحم العالم كعاصفة هوجاء بهواتفه النقالة وثورة معلوماته التي أجبرت البشرية على انتهاج طرق جديدة في المعرفة وتداول المعلومات, أم مزاجنا نحن هو الذي تغير بعد أن أدى انفجار تدفق المعلومات عبر الشبكة العنكبوتية إلى فقدان منابع الثقافة والمعرفة التقليدية (الكتاب والمسرح وصالة السينما والإعلام الرصين) لألقهم, لا بل لقدسية رسالتهم, فاختلطت الأوراق كلها وسط زحام المواقع الالكترونية المختلفة الاتجاهات والغايات التي تقدم لك كل شيء بقليل من المصداقية وكثير من حشو الكلام, فبهت معها سحر الكلمة, شعراً ونثراً وقصة ورواية ومقالة, وبرز نجم الصورة الرقمية بجودتها العالية التي تخطف الأنظار, فصار التقرير التلفزيوني المصور أكثر تأثيراً وأوسع انتشاراً وأسهل تداولاً من القصة, واستعيض عن الفيلم السينمائي الروائي الطويل بالدراما التلفزيونية التي منحت المشاهد متعة تلقيها وهو مسترخ بكسل في منزله, يجترع معها, رغماً عنه, وجبة دسمة من الإعلانات.
هل انتهى عصر عمالقة القرن العشرين في السينما والمسرح والموسيقا والفن التشكيلي, وانطوت صفحة أولئك العظام, ولن تنجب البشرية بعد الآن فدريكو فيلليني, أو بازوليني, ولا هيتشكوك, أو إنغمار برغمان, أو كوستا غافراس, ولا صموئيل بيكيت آخر, أو عبقري آخر بحجم بابلو بيكاسو يرسم «غيرنيكا» جديدة للقرن الحادي والعشرين بكل عربدته وجنونه؟
إنه عصر الصورة الناطقة, والتقرير المرئي, والكلمات «المهجنة وراثياً».
يقول الكاتب فيكتور هيغو: «عندما تميل الشمس نحو الغروب يصبح لأصغر حجر ظل, فيظن بأنه شيء مهم».