كثيراً ما تُطرح مواضيع حوارية , أو مواضيع تحتمل آراء متعددة
واتجاهات مختلفة ...
فتجدنا بدل أن نتحاور حواراً هادفاً , ونتناقش نقاشاً جاداً من أجل
الوصول إلى نتيجة , نبدأ الجدل والاتهام ولا نصل إلّا إلى حوار
عقيم , وجدل لا ينتهِ , وإساءة كل طرف للآخر ....
وكيف لا نصل إلى حوار عقيم إذا كان كل شخص يعتقد أنَّ ما هو
عليه صواب قطعي , وأنَّ ما عليه خصمه خطأ قطعي ..
لماذا لا يكون أساس الحوار الرغبة في التفاهم والوصول إلى الحقيقة
بدل أن يكون حواراً لا أساس له , ولا هدف له , ولا فائدة منه ..؟؟؟
لماذا كلما تحاورنا يتمسك كل طرف برأيه وكأن رأيه فقط هو
الصواب الذي لا يحتمل الخطأ ...!!!! ....؟؟؟؟
وكأن رأي غيره هو خطأ لا يحتمل الصواب ....!!!
لماذا في كثير من الأحيان يكون الحوار فيما بيننا متشنج يعتمد على
الصراخ والشتائم والتهم المتبادلة بدل أن يكون حوار عقلاني وهادئ
ومنطقي ...
لماذا لا يعتمد حوارنا على الرغبة في الفائدة , بدل أن يعتمد على
التهم والحوار لمجرد الحوار , أو الكلام لمجرد الكلام ....؟؟؟
لماذا حوارنا في الكثير من الأحيان لا يأتي بنتيجة ...؟؟؟
فلا يُقدم , ولا يُؤخر , ولا يثمر , ولا يغني , ولا يدفع , ولا ينفع ..
ولا يُقيم دنيا ولا يُصلح آخرة ...
ما هو الحوار ....؟؟؟
وما هي أنواع الحوار ...؟؟؟ وما هي مجالاته ...؟؟؟
وما هي آفات الحوار ...؟؟؟
وما هي الصفات التي يجب أن يمتلكها المحاور ...؟؟؟
وما هي آداب الحوار ...؟؟؟
الحوار : هو نوع من أنواع الحديث بين شخصين أو أكثر , يتم فيه
تداول الكلام بينهم بطريقة ما , فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر
ويغلب عليه الهدوء والبُعد عن الخصومة والتوتر ...
أنواع الحوار :
1- من حيث الشكل :
أ- حوار هادئ , عقلاني
ب- حوار متشنج يعتمد على الصراخ
2- من حيث المضمون :
أ- الحوار المنفتح وعكسه المتزمت وهو القائم على المهاترة لا
الرغبة في الفائدة ..
ب- حوار العقلاء وطلبة الشهرة
وفرق كبير بينهما ,حيث ينتج من حوار العقلاء فوائد عظيمة للناس
لأنه يقوم على احترام الذات والآخرين ,وتقبل الرأي الآخر ما دام
لا يمس الثوابت في العقيدة , والإدراك أن لحوار هدفاً يجب تحقيقه ..
بعكس حوار طلبة الشهرة الذين يريدون الانتصار للذات ...
مجالات الحوار :
1- الحوار بين الشعوب
2- الحوار بين الجماعات
3-الحوار بين المذاهب
4-الحوار بين الحكومات
5-الحوار بين الأديان
6- الحوار بين الثقافات
ما هي السلبيات التي نجدها في الكثير من حواراتنا ...؟؟
1- إن لم تكن معي فأنت ضدي .
2- الخلط بين الموضوع والشخص , حيث يتحول نقاش موضوع
معين , أو فكرة أو مسألة ما ,إلى هجوم على أشخاص , وتجريح
واتّهام للنيات , واستعراض لتاريخ هذا الإنسان أو ذاك ..
وبالتالي تتحول الكثير من ساحات الحوار إلى محيط من الفضائح
والاتهامات ...
3- تدني لغة الحوار ,بدلاً من المجادلة بالتي هي أحسن يتحول
الحوار إلى نوع من السب والشتم ...
يقول أحد السلف الصّالح :
لو كان النجاح والفلاح بالمجادلة وبقوة الصّوت والصراخ أو بالسب
والشتم , لكان الجهلاء أولى بالنجاح فيه ..
وبالمثل : العربة الفارغة أكثر جلبة وضجيجاً من العربة الممتلئة ..
4- القعقعة اللفظية التي نحقق بها أوام الانتصارات الكاسحة على
أعدائنا , ونحرك بها مسيرة التنمية والإصلاح لمجتمعاتنا زعماً وظناً
كأن تسمع شخص يقول : كتب فلان مقالاً قوياً
فتنتظر من هذا المقال أن يكون مقالاً قوياً وفعالاً , أبدع فيه الكاتب
وأنتج وخرج بنتيجة جيدة , وأحصى الموضوع من كل جوانبه ..
فإذا بك تجد مقالاً مشحوناً بالألفاظ الحادة والعبارات الجارحة التي
فيها إطاحة بالآخرين الذين لا يتفقون معه ..
فهذا سر قوة المقال عند بعضهم ..
5- التفكير السطحي الذي لا يغوص في أعماق المشكلات ولا يدرك
أثر العلاقات ببعضها , ولا يستوعب تأثير المتغيرات ..
6- تهويل مقال الآخر ..
7- الأحادية :
حيث يدور الشخص حول رأيه , ووجهة نظره التي ليست شرعاً
منزلاً , ولا قرآناً يُتلى , ولا حديثاً , ولا إجماعاً ..
(( وما أريكم إلا ما أرى * ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد ))
8- القطعية :
بمعنى قولي صواب لا يحتمل الخطأ , وقول غيري خطأ لا يحتمل
الصواب ...
9- التلفظ بعبارات والحكم على أشخاص بأحكام ما أنزل الله بها من
سلطان ..
مثل : فلان لا كرامة له عند الله , وفلان مُنافق , وفلان منحرف في
العقيدة ..
وقد يكون هؤلاء الذين تتهمهم وتُصدر فيهم أحكام باطلة , أصفى
منك عقيدة , وأصدق مذهباً , وأقوم بالكتاب والسنة ..
ثمّ ..كيف تتحول أذواقنا ومشاعرنا السلبية تجاه هذا الشخص أو ذاك
إلى الحكم على منزلته عند الله تعالى ..كيف نتجرأ على ذلك ..
ما هي أسباب الخلاف فيما بيننا ....؟؟؟
من أسباب الخلاف تفاوت فهم النّاس بموضوع الخلاف وحقيقته ..
ولاختلاف بفهم الوقائع ..
ومعرفة بعض النّاس بدليل ,وجهل بعضهم له , والاختلاف حول
صحة الدّليل ..
وقد يكون الخلاف على شائعات أو بسبب شائعات ..
أو بسبب قول لم يتثبت منه صاحبه ..
أو بسبب انطباع سيء لم يكن مبنياً على علم صحيح ..
وقد يكون سبب الخلاف التعصب لشخص أو منهج معين ..
وقد يكون بسبب ضيق الأفق وفساد التصور وضعفه ..
وأحياناً يكون بسبب تغلب العاطفة على العقل ..
وقد يكون سبب الخلاف حب الخلاف لذاته ..
ما هي الصّفات التي يجب أن يمتلكها المُحاور ...؟؟
1- أن يتحلى المُحاور بصفات المحاور الناجح , كان يكون متواضعاً
وسلساً , وحسن الإلقاء بعيداً عن رفع الصوت ..
وأن يُرتب المُحاور أفكاره التي سيطرحها على محاوره , وأن يكون
ذا علم وفهم حتى لا يخذل الحق بضعف علمه , وحتى لا يقتنع هو
بالباطل الذي مع خصمه لجهله وضعف علمه ..
لذلك لا يكفي أن يكون الحق مع المُحاور بل لا بدّ أن يملك العلم والفهم
2- ألا يحمّل كلام كلام مُحاوره من الضخامة والتهويل ما لا يحتمل
ذلك ..وألا يعتدي بوصف محاوره
كأن يقول : أنت سفيه , أنت جاهل , منافق .....ألخ
( فليس المؤمن باطعان واللعان , ولا الفاحش ولا البذيء )
3- أن يكون منصفاً باحثاً عن الحقيقة أنّى وجدت , فالحكمة ضالة
المؤمن أنّى وجدها ألتقطها , والرجوع إلى الحق خير من التمادي
في الباطل ...
4- أن يمتلك المُحاور قوة الشخصية وقوة الذاكرة وحضور البديهة
وأن يكون قادر على ضبط النّفس ..ويمتلك القدرة على حسن
التصوير ..
5- أن يبتعد عن الأقوال التافهة البعيدة عن الصحة والحق ..
الخـــــــــــلاف ....
كثيراً ما نختلف ...ولكن لا نعرف لماذا نختلف ولا كيف نختلف ..
الاختلاف شيء طبيعي , واقع بين البشر ..
نعم نختلف ......ولكن يجب أن تبقى المحبة ..
نختــــلف .....ولكن لا ندع الحقد والغل يغلي في الصّدور بسبب الخلاف
نختلف ......ولكن يبقى الاحترام موجود بيننا ..
نختلف ......ونبقى أخوة
نختلف .....ولكن تبقى المودة
نختلف ....ولكن لنتأدب بآداب الاختلاف ..
ما هي آداب الخلاف ...؟؟؟؟
1- سماع الحجة والرأي قبل أن قبل أن تخاصم من يخالفك الرأي
وأن تستمع للشخص دون مقاطعة ..
2- إيراد الدّليل :
فالتهويل لا يصلح , ورفع الصّوت لا يصلح ..
الذي يصلح ...قوله تعالى :
{ قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لنَا } الأنعام 148
وقوله تعالى : { قُلْ هَاتُوا بُرهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين } النمل 64
3- الهدوء في الرّد :
حيثُ أنّ الهدوء في الحوار مطلوب , ورفع الصوت لا يجلب لك
نصراً ..قال تعالى :
{ واغْضُضْ من صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لصوْتُ الْحَمير } لقمان 19
صاحب الباطل دائماً يرفع صوته ليبين للناس أنّه على حق
وصاحب الحق متزن وهادئ يوصل كلمته في تمكين واطمئنان لأنه
واثق من نفسه ..
4- التواضع في الرّد :
قال تعالى :{ وَإِنِّا وإيَّاكُمْ لَعلى هُدى أو في ضَلال مبين } سبأ 24
تأتي أولاً تُظهر أنك لست جازماً بالحق وهذا تواضع ..
وتقول : أن رأيي , وقد يكون رأيي خطأ ..
أنا من وجهة نظري , وقد تكون وجهة نظري خطأ ..
الله أعلم وما أدري هل رأيي صواب أم خطأ ..
فإذا أتيت بتواضع تواضع هو معك ..
واعلم بأنه أي إنسان مهما كان يرى لنفسه كرامة ..
5- تحديد الخلاف :
فبعض الناس يموج في النّقاش من غير تحديد نقطة , فلا يعرف
نقطة الخلاف , يبدأ مرة بالألف , ومرة بالياء , فيضرب ضربات
خاطئة ..فلا بدَّ من تحديد نقطة الخلاف بوضوح حتّى نتناقش
بوضوح للحصول على نتيجة مفيدة ...
6- ترك الإزعاج ورفع الصّوت والتهويل
7- ذكر جوانب الأتفاق قبل نقطة الخلاف
8- قصد الحق :
أي أن يكون مقصدك الحق ..قال تعالى :
{ إِنْ أُريدُ إلّا الإصْلَاحَ ما اسْتَطَعْتُ وما توفيقي إلّا بالله عليه تَوَكَّلْتُ
وإِلَيْهِ أُنيبُ } هود 88
فلا يكون مقصدك التشفي , ولا مهاجمة الآخرين ,ولا يكون قصدك
أن تُظهر الغلبة , وأن يسمع النّاس أنك غالب هؤلاء...
ولكن قصدك أن يكو الدين كله لله وأن يثبت الحق ويتّضح البرهان ..
9- الإنصاف :
حيث يجب الإنصاف مع العدو ومع القريب , فبعض النّاس إذا خالف
لا يرعى ذمة ولا عهداً , وبعضهم إذا خاصم تعدّى وظلم ...
قال تعالى :
{ يا أيُّها الّذين ءامنوا كونوا قوّامينَ بالقِسْطِ شُهَدَاء لله ولوْ على
أَنفُسِكُمْ أو الْوَالِدَيْنِ والأقْرَبين } النساء 135
10- الاحترام بين المتحاورين
11- ضبط اللسان :
فكل كلام يصدر عن الإنسان يعبر عن تفكيره ,وتكوين نفسيته ,
وأخلاقه ..وهذا يتطلب أن يكون المُحاور صاحب سجية طيبة
بعيداً عن اللغو والكلام البذيء ..
فيجب أن تسأل نفسك ...
هل من المناسب أن أتكلم الآن ...؟؟؟
ماذا أتكلم ...؟؟ وبأي أسلوب أتكلم ...؟؟؟
12- يجب أن يكون الحوار بالتي هي أحسن ..
13- الابتعاد عن التّعصب للفكرة أو الأمر الذي تدعو إليه
14- البعد عن التناقض في الرّد على أقوال الآخر والثبات على مبدأ
أو نقطة الحوار ..
15- يجب أن يتصف الحوار بالموضوعية ...ومن الموضوعية :
أ- تحديد الموضوع , ويقتضي ألا نخرج من نقطة حتّى ننتهي منها
ب- مناقشة الموضوع وليس الشخص وشخصيته
ج- عدم إدخال موضوع آخر
د- عدم استخدام الأيمان المغلظة
هه- اتجنب الكذب والتلفيق والتفاحش
و- قولك : لا أدري
ز- التوثيق
16- يجب ألا تتهم النيات ..مهما كان مخالفك مخالفاً للحق في نظرك
وكن سليم الصّدر تجاه خصمك ..
17- إذا عرفت أن الحق مع مخالفك فاقبله , وإذا قبل منك الحق
فاشكره ولا تمن عليه ..
18- اتهم رأيك :
فيجب عليك وإن كنت متأكداً في رأيك بأنه صواب أن تتهم رأيك
وتضع في الاحتمال أنّ الحق ممكن أن يكون مع مخالفك ..
هذا الشعور يسهل عليك تقبل الحق عندما يظهر ..
وأيضاً : من آداب الخلاف ..
ألا تؤذي من يخالفك الرأي بالقول أو بالفعل ..
بالقول : مثل : تكفيره أو تسفيهه أو الافتراء عليه
وبالفعل :مثل : حبسه أو قتله ...كما فعل فرعون مع من خالفه ..
نهاية :
الموضوع لم ينتهِ هنا , ولن ينتهِ هنا ..
حبذا أن نتأدب بآداب الخلاف , وأن نعرف كيف نختلف ,
وأن تبقى المحبة , ويبقى الاحترام فيما بينا مهما كان نوع الخلاف
وعمقه ...
فجميعنا بشر ..لكل منّا رأيه ووجهة نظره الخاصة ..
ولكل منّا طريقته في تحليل الأمور واستيعابها وتصويرها ..
ولكل منّا عقله ..وطريقة تفكيره ..
وحبذا ألا تصل بنا الأمور إلى أن محاولة فرض آراءنا على الآخرين
وإجبارهم على قبوبها , دون دليل مقنع أو برهان ..
- وما توفيقي إلا بالله ..وأتمنى أن يحقق الموضوع الغاية المرجوة..
....((والسلام مسك الختام )) ...
تحيتي واحترامي لكم جميعاً ...