بسم الله الرحمن الرحيم
أية هالة قدسية تحيط بهذه الكلمة الرائعة " أمي " أية مشاعر سامية تتزاحم في قلبي حين تنساب هذه الكلمة كالشهد على لساني وأي جلال يطغى على نفسي وأنا ماثل في حضرتها أن بغيت ينبوع المعرفة الذي لا ينضب فأني واجده في قلبها إن طلبت صديق صادق الإصغاء أمينا في النصيحة لا يمل العطاء و لا يني في خدمتي فهي خير من أن يبذل ذلك كله فما عدت ادري من أي طينة علوية صاغها الله جل جلاله .
نعم فمثلها يفتدى بالغالي والنفيس والى مثلها لا بد أن ينحني العالم والفقيه وهل ثمة عظمة أو جبروت أو رتبة سامية لا تنحني بكل رضى وطواعية أمام عظمة هذه المرأة الرائعة وهل ثمة جبهة فوق هذه الأرض أو وجدت فوقها في سالف الدهور أو ستوجد فوقها في قابل الأيام لا تخامرها العزة وهي تتمرغ في التراب الذي وطئته قدما هذه الملكة التي أسميتها تاج النساء ( أمي ) .
أقول الحق حين أكون بين يديها لا يسعني إلا أن اقف ساكنا مطأطئاً لا يرتفع إلي طرفي وأدرك عميقا أنى إزاء امرأة حوى قلبها أسمى المشاعر النبيلة واختزن عقلها زبدة الحياة وخلاصة تجاربه امرأة تجمع في نفسها جلالة الأنوثة ورحمة الأمومة واتزان الحكمة , فالأمومة في حقيقتها هي تفاعل ديناميكى يعيش كل ثانية من حياتنا.. كل حياتنا.. لذلك فهي في كل مكان و في كل وقت وزمان. والمرء ينمو في رعاع الامومة، وكلما زاد عمره، زادت فرصته في تغيير استجاباته السلوكية، وبالتالى تتسع قدرته على التعايش مع الاخرين من خلال ما يتدفق اليه من حب وحنان وعطف الامومة
" فالامومة صابر عطوف.. الامومة ليست غيورة أو مختالة أو متكبرة.. ليست سيئة الخلق، أو أنانية أو سريعة الغضب.. لا تحتفظ بسجل للأخطاء.. ليست سعيدة مع الشر، ولكنها سعيدة مع الصدق.. لا تستسلم أبدا، فولاؤها وأملها وصبرها لا يصيبهم الإخفاق مطلق.. هناك الولاء والأمل والحب والامومة .. هذه أربعة، ولكن أعظم الاربعة هي الامومة ".
وللامومة عدة مستويات يمكن أن نتعرف عليه أكثر من خلالها:
1- المستوى الاجتماعى: ويعرف بأنه الوجداني الروحي غير الملموس ، اي المشاركة الوجدانية مع الاخرين والتأثر العاطفي الخارق للنمطية الحسية، أو التعاطف والقرب النفسى والرغبة فى دوام الصلة في اطار الانسجام العام
2- المستوى القلبى: ويعرف بأنه تعلق قلب الام بوليدها. حيث لا مسؤولية للامومة في الافراط في ميلها للحب.
3- المستوى النفسي: حيث يخضع لقانون الجاذبية النفسية! حيث تهتز " نفس " تجاه " نفس " اهتزازة الحب، ثم تتجه نحوها في قوة متزايدة حتى تلتصق بها ولا تريد أن تفارقها.
ولا تخضع الامومة - مثلها مثل كل المشاعر الإنسانية - إلى حسابات هندسية، ومنطق فلسفي عقلي، فالامومة ليست بحاجة الى عقل او منطق
الامومة في الشتاء ذلك المعطف المبلل بالمطر وفي الصيف تلك الوردة الحمراء في حقل الاشواك ومازلت اقول لا يمكنني ان اقول ( أمي ) بنفس المستوى الحماسي الدافئ الذي تقول فيه لي أمي ( ولدي )الامومة تهتم بكل شيء يحيط بها حتى الى ادق التفاصيل واتفهها وليس هذا للغز فيها بل لدراستها من جميع الجوانب فهي محبة للحرية لكن ليست المطلقة بل المنظمة واللين لا التحجر فهي دبلوماسية ومستقيلة ومتواضعة وبفضل تأثرها بحب اولادها فهي ثورية
ولا ضير ان اقول انها ( انثى ) فالانسان في طبيعته كلما ازدادت المجاهيل في حياته كلما ازداد تعلقه بأقرب الاشخاص اليه واحبهم الى قلبه واغلاهم ( أمه ) فهي في كثيرا من الاحيان كتاباً مجهولاً يفك شيفرة كل الاسرار وينقلك من عالم مليئ باليأس والكدر والاحباط الى عالم كله عواطف ومشاعر وأحلام وآمال .
ان كل انسان يخوض مرحلة الامومة بشكل صحيح يختلف كل الاختلاف عن هؤلاء الذين عاشوها بشكل مرتبك متوتر هؤلاء ليس لهم اهتمامات او اصدقاء اواحلام أما بالنسبة للاموميين فالحياة اكثر من ان تكون ملكا لاحد أدنى من ( الام ) فهم يقعون تحت تأثيرها النازغ للحرية لذلك هم ليسوا محكومين بفكرة الاول بل هم انطلاقيون متجردين من الاول لان الأول بالنسبة لهم ليس بداية بل هو استمرار واستئناف .
ولعمري واكثر ما يحيرني ان من عجائب الطبيعة – وهي كثيرة جدا – ان بعض الناس يعتبر الام هي وسيلة لاحضارهم الى هذا الحياة فقط دون ادنى شعور حتى بفضل انجابهم واحضارهم الى هذه المعمورة التي هي في جماداتها ونباتاتها وحيواناتها انسانية , لكن من البديهيات ان هذا يعود الى اسباب نفسية معقدة ولكن هذه البديهيات تتغير اذا عالجناها بتوطيد العلاقة الايمانية في قلوبهم ورفض الخضوع والسيطرة وادراك المشكلة والاسراع الى تفهمها وحلها .
قال " برنارد شو " ( ان العالم لن يكرس نفسه من اجل سعادتنا) وانا اقول ( ان احدا لن يكرس نفسه وحياته في خدمة الاخرين وسعادتهم مثل الام ) ان حتى التفكير او الشعور في غير هذه هو ضرب من الجنون فلا يمكن ان تكون هناك حياة ناكرة للامومة او امومة متجاهلة للحياة فالكل يعمل في مؤسسة واحدة .
انا اعرف انه لربما اتعرض الى انتقادات من بعض الاشخاص الاعتماديين لكني لست ما يظنه الاخرون انفعالياً بل انا ايماني مبادر تدفعني القيم والمبادئ الاسلامية الحنيفة الى التعريف بهذا فالامومة هي دفقة لعاطفة خالدة بل هي استمرار الانفاس في عالم انقطعت فيه الانفاس .
ومثل ما قالت الأغنية : ( شلون الدنيا تكون بدونك – شلون اتخيلها تصير – وعن حبك لما سألوني – قتلهم الاول والاخير ) وكما قال رسول المحبة المشرع الاول عيه الصلاة والسلام ( امك ثم امك ثم امك ) .