يوسف العظمة
تشدُّنا قصص البطولة والأبطال من كلّ مكان، فكيف إذا كان البطل من أبطال بلدنا الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن تبقى سورية وطناً حرّاً أبيّاً، عصّياً على المستعمرين، الذين رحلوا عنه، عبر تلك البطولات التي سطَّرها هؤلاء الأبطال؟! وعندما نستعرض سيرة هؤلاء، فإنَّنا نعتزُّ بالتاريخ ونتمثّله في الحاضر ونستشرف المستقبل، وندوِّن للأجيال ملاحم أسَّست لحياتهم كي يعيشوا بشموخ وكبرياء. وسنتحدَّث في هذه السلسلة عن البطل يوسف العظمة الذي يحار المرء من أين يبدأ حديثه عنه إذ يعتبر من أهمِّ الأبطال الذين أنجبتهم البطون العربيَّة في القرون الأخيرة. فما قام به العظمة لا يدخل باب البطولة العاديَّة، التي قد تجدها لدى الكثيرين، بل هي بطولة إستراتيجيَّة، وبطولة ستظلَّ محفوظة للأجيال الصاعدة من العرب، والسوريين. فهذا الرجل سجَّل ما لم يسجّله غيره، لقد سجَّل درساً بليغاً ورسالة سامية بأنَّ دمشق ليست سهلة المنال. دخل يوسف العظمة التاريخ، ودخل ذاكرة الأدب، وأقيم له تمثال وسط دمشق، وسمّيت ساحة باسمه. ومع ذلك لم يأخذ هذا البطل ما يستحقّه من الاهتمام، ومنها قلّة المراجع التي تتحدَّث عنه، ولم نجد إلاَّ اليسير منها ووجدنا فيها بعض التضارب بالأخبار والمعلومات. ونتمنَّى من وزارتي التربية والتعليم العالي إدراج سيرته في المناهج الدراسيَّة بشكل معمَّق، للتأكيد على بطولات مَنْ مهَّدوا لنا الطريق، ولم يستسلموا للمحتلّ، إذ أبى يوسف العظمة أن يدخل الجنرال الفرنسي (غورو) دمشق دون مقاومة تذكر. وهو البطل الذي رفض أن ينحني أمام العدوان والاستعمار، رغم إدراكه الكامل، كعسكري محترف، لعدم توازن القوى. وآثر الشهادة على حياة يضطر فيها أن يرى الأعداء يطؤون أرض بلاده. وكان مثلاً للبطولة والفداء. وحينما يكون الأمل في تحقيق النصر ضئيلاً، بسبب التفوّق الكبير للمعتدي في العدد والعتاد، وحينما يكون الاستسلام والخضوع لقوّة القهر أمراً مهيناً، تبرز بطولة من نوع خاص، وهي بطولة الكرامة والإباء، وهذا ما بدا واضحاً في سيرة بطلنا الذي آثر الموت على أن يرى عدوّاً مغتصباً يدنّس بأقدامه ثرى وطنه. ابن السادسة والثلاثين عاماً يتَّجه إلى حتفه طواعيةً... فيبني مجده... ومجد بلاده. يوسف العظمة الذي كان يتبوَّأ منصب وزير الحربيَّة آنذاك وكان منصبه لا يحتّم عليه النزول لمثل هذه المواجهة الخاسرة سلفاً، لكنَّه استسهل الموت على الذلّ، وكتب بدمائه، ودماء من كانوا معه، صفحات لن ينساها التاريخ، كما لم ينسها العدوّ الذي دخل غازياً وخرج مهزوماً. وفي الرابع والعشرين من شهر تمّوز من كلّ عام، نستذكر معركة الشرف والكرامة معركة ميسلون التي خاضها أوَّل وزير حربيَّة سوريّ - في مواجهة غير متكافئة - كي يمنع دخول الفرنسيين إلى عاصمة بلاده الحبيبة، فضرب بذلك أروع أمثلة الإباء والشمم والتمسُّك بالحريَّة. واليوم الذي استشهد فيه يمثّل رمزاً من رموز الكرامة الوطنيَّة، التي لا يمكن أن تموت معانيها حتَّى في أشدّ ظروف القهر، وأحلك لحظات الهزيمة التي يمرُّ بها الزمن العربيُّ. ضريحه في ذرا ميسلون مزار السوريين جميعاً، يستذكرونه بورودهم ورحلاتهم، ومناسباتهم الوطنيَّة والقوميَّة، نجماً من نجوم هذا الوطن ورمزاً من رموز عزَّته وسيادته واستقلاله. فيما تحوَّل منزله في حي المهاجرين، حالياً، إلى متحف خاصّ يوثّق ما تركه من مقتنيات خاصَّة به.
تفاصيل كتاب يوسف العظمة
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
الدار الناشرة: الهيئة العامة السورية للكتاب
بقلم: بسـام جميـدة
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 4
مرات الزيارة: 1721
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T