الواقعيّة النقديّة في الأدب
الفصل الأول جذور الواقعية النقدية -1- كان انبثاق الواقعية النقدية محصلة لمجمل سيرورة الأدب العالمي السابقة. ويمكن القول إنه قد أرسيت في تجربة الأدب العالمي، فيما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، المبادئ الفكرية - الجمالية للواقعية النقدية وأسسها كمنهج فني. وهكذا فإن تحديد جذور الواقعية النقدية يعني تتبع نشوء الواقعية وتشكل ملامحها ومبادئها، التي غدت بمجموعها - فيما بعد - في أدب القرن التاسع عشر، أساس اتجاه أدبي. برزت الواقعية كانعكاس في الفن لانقلاب تقدمي عظيم الأهمية شهدته الإنسانية في عصر النهضة، في عصر تطور علاقات اجتماعية جديدة أعقبت مرحلة الإقطاع وفي عصر انبعاث شخصية الإنسان. فقد طرحت النهضة Renaissanceمقولة الإنسان والمجتمع بمفهوم إنساني جديد لا علاقة له باللاهوتيات Theologyالقروسطية، وصارت الأناسية Humanism، التي تبوأت مقام الروح في الظروف الاجتماعية - التاريخية الجديدة، الأساس الفكري لفن الواقعية. أقلقت كتاب عصر النهضة الإنسانيين بعمق قضية الإنسان العاقل المكتمل الشخصية من كل الجوانب والمتحرر من رواسب القرون الوسطى. قال بترارك: الإنسان الحقيقي الصالح لا يولد بنفس عظيمة، بل هو الذي يجعل نفسه بأعماله عظيماً. ويرسم رابليه صورة الإنسان المكتمل في حديثه عن ديرتيليم. كما يملأ الأبطال الصالحون الجيدون المفعمون بحب الحياة العديد من مشاهد كوميديات شكسبير. ففي هاملت أعظم تراجيدياته يهتف البطل: ما هذا المخلوق الرفيق الصنع الإنسان! كم هو راجح عقلاً وغير محدود القدرات، ما أشبهه بإلهٍ ما! إنه زينة الدنيا وسيد كل الأحياء. وهكذا فالأمر الغالب في النهضة هو التقييم الرفيع للإنسان بوصفه شخصية إيجابية مستقلة. في مواعظ دون كيخوت الكثير من الحقائق الصائبة حول ما يجب أن يكون عليه الإنسان، ما هو مؤهل له وما يجب أن يكون ثميناً بالنسبة له. تدخل الأدبَ فكرة الحرية العظيمة. يقول بطل سرفانتس لحامل سلاحه سانشو: الحرية يا سانشو إحدى أثمن هبات السماء للناس. لا شيء يوازيها: لا الكنوز المخبأة في باطن الأرض ولا الكنوز التي تنطوي عليها أعماق البحار. من أجل الحرية على الإنسان أن يجازف بحياته.. ودون كيخوت في حقيقة الأمر تجسيد لرجولة وشهامة الفروسية، نصير الحق والعدل. ونعثر على هذه الصفات كذلك لدى بطلة مسرحية لوبي دي فيغا ثورة الفلاحين. يغدو الإنسان، بكل ما تنطوي عليه شخصيته وأفعاله، المادة الأساسية للفن. وتتغير تحديداً النظرة إلى مهمات الفن وأغراضه. فلم تعد مهمته الآن حمل الإنسان إلى عالم مثالي من خلال تجسيد الفكرة الإلهية، بل خدمة مصالحه الأرضية وتحسين ذاته كإنسان. ومن هنا الاهتمام بعالم الأحاسيس والمشاعر الذي استخف به وأهمله فن القرون الوسطى الديني. لكن تبرز ملامح ميول واقعية أرضية في المرحلة القروسطية المتأخرة وخصوصاً في الفولكلور. لدى دانتي يبقى الفهم الديني الأخلاقي لأغراض الفن خطاً أساسياً، لكن كان يخفف الطابع الغيبي القروسطي في أشعاره سعيه لإبداع نماذج مفعمة بقسمات وأصباغ حياتية. كان استيعاب الإرث الفني والأدبي الإغريقي الروماني القديم أحد عوامل بروز وتطور واقعية عصر النهضة. فأشار إنجلس إلى أن العصر الحديث قد بدأ بالعودة إلى الإغريق. لكن على أي نحو يمكن تفسير ذلك، علماً أن فكر النهضة الطليعي كان قد بدأ يرفض التصورات اللاهوتية للواقع الخاصة بالعصور الوسطى؟.
تفاصيل كتاب الواقعيّة النقديّة في الأدب
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
الدار الناشرة: الهيئة العامة السورية للكتاب
جذور الواقعية النقدية
بقلم: س. بيتـروف
ترجمة: د. شوكت يوسف
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 8
مرات الزيارة: 1623
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T