القطـار البـاب الآخـرون
القطار (1) عندما استيقظتُ، كانت ستائر الخام تسرب إلى الغرفة ضوءاً مصفراً. أعرفه جيداً. لم تكن لنوافذنا، في الطابق الأول، مصاريع. لم تكن أية نافذة في الشارع مزودة بها. كنت أسمع، من على الطاولة، تكتكة المنبه، وإلى جانبي تنفس زوجتي المتقطع الذي يعادل، في ارتفاعه، تقريباً، صوت تنفس المرضى، في السينما، أثناء عملية. كانت، آنذاك، حاملاً في منتصف شهر حملها الثامن. كان بطنها الكبير يرغمها، كما كانت الحال قبل صوفي، على النوم على ظهرها. ودون أن أنظر إلى المنبه، سحبت ساقاً من السرير. تحركت جان وقالت، متلعثمة، بصوت آتٍ من بعيد: - كم الساعة؟ - الخامسة والنصف. استيقظت مبكراً طيلة حياتي، خاصة بعد سنواتي في المصحة حيث كانوا، في الصيف، يأتوننا بميزان الحرارة منذ الساعة السادسة صباحاً. لم تعد زوجتي تعي ما يجري حولها، وامتد أحذ ذراعيها عبر المكان الذي أتيت على مغادرته. ارتديت ملابسي دون صوت منفذاً، بالترتيب، الحركات الطقوسية لكل صباح، ملقياً، أحياناً، نظرة على ابنتي التي كان سريرها، في تلك الحقبة، لا يزال في غرفتنا. ومع ذلك، كنا قد أعددنا لها أجمل غرفة في البيت، في واجهة البناء، مفتوحة على غرفتنا. كانت ترفض أن تنام فيها. غادرت الغرفة حاملاً خفيًّ اللذين لم انتعلهما إلا في أسفل الدرج. عند ذلك، سمعت أولى صفارات المراكب من جهة السد الموجود على مسافة كيلومترين تقريباً. كانت الأنظمة تنص على فتح السدود أمام القوارب منذ شروق الشمس، وكانت الموسيقى نفسها تتردد كل صباح. في المطبخ، أشعلت الغاز ووضعت عليه ماء التسخين. كان النهار يعلن عن نفسه مرة أخرى مشمساً وحاراً. لم نشهد، خلال كل تلك الفترة، سوى أيام مشمسة وكنت، أيضاً، قادراً على أن أشير، ساعة بعد ساعة، إلى مكان بقع الشمس في مختلف حجرات المنزل. فتحت باب الباحة التي كنا قد غطيناها بالزجاج لتستطيع زوجتي أن تقوم بالغسيل وأن تلعب ابنتي، فيها، في كل الأوقات. أرى، من جديد، عربة الدمية، والدمية في مكان أبعد قليلاً فوق ألواح الزجاج الأصفر. تجنبت الدخول حالاً إلى ورشتي لأني كنت متمسكاً بإتباع القواعد، وهو الاسم الذي أطلقته، آنذاك، على برنامجي الزمني، وهو برنامج قام من تلقاء ذاته، شيئاً فشيئاً، مصنوعاً من عادات أكثر منها ضرورات. في انتظار أن يغلي الماء، ملأت بالذرة وعاءً صغيراً من الخزف الأزرق يغطي الصدأ قعره لم يعد يصلح لاستخدام آخر، وعبرت الحديقة لأقدم الطعام للدجاجات. كان لدينا عشر دجاجات بيض وديك. كان الندى يتلألأ على الخضار، على ليلكتنا الوحيدة التي كانت زهورها البنفسجية، المبكرة هذه السنة، قد بدأت في الذبول، وكنت لا أزال أسمع لهاث محركات الديزل وليس، فقط، نداءات المراكب على نهر الموز. أصر على أن أصرح، حالاً، بأني لم أكن رجلاً شقياً ولا رجلاً حزيناً. كنت، وأنا في الثانية والثلاثين من العمر، متقدماً، في كل المخططات التي استطعت صنعها، على كل آمالي. كانت لي زوجة وبيت وابنة في الرابعة، من عمرها مغالية، قليلاً، في عصبيتها، لكن الدكتور ولهمز يؤكد أنها ستتجاوز ذلك.
تفاصيل كتاب القطـار البـاب الآخـرون
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
الدار الناشرة: الهيئة العامة السورية للكتاب
القطار
بقلم: جورج سيمنون
ترجمة: د. أنطون حمصي
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 2
مرات الزيارة: 296
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T