رد مشاركة : هذه هي السلمية التي نريدها .. الحرية لسوريا
يظن الكثيرون ويصرح الإسرائيليون أن السقف الذي رسمته الإدارات الأميركية
المتعاقبة لإدارة العلاقة مع سورية كان يحترم باستمرار القراءة
الإسرائيلية لأي تطورات تنعكس على أمن إسرائيل، ويضيفون إن العلاقة
الأميركية- السورية بدورها لم تبلغ في أفضل أيامها مراحل التعاون الخالي
من التحفظ والحذر لأن القيادة السورية طوال أربعين عاماً بقيت تتوجس من
الدعم اللامحدود الذي تقدمه واشنطن لتل أبيب من جهة، ولمحاولاتها المستمرة
التضييق على مصادر القوة السورية دون أن تقوم واشنطن بالجهد المرضي لتقدم
عملية السلام على أسس مطمئنة وبما يتعدى المشاهد الإعلامية، أما في مراحل
التوتر والخلاف وهي السمة الغالبة للعلاقة الأميركية- السورية كما تصفها
كل مراكز البحوث والدراسات المنتشرة في واشنطن وتل أبيب، فكان كل شيء
مباحا في مراحل تصاعد الخلافات، بما في ذلك التصريح بالاستعداد الأميركي
للذهاب إلى النهاية، والمقصود دعم أي حراك عسكري وأمني يمكن أن يؤدي إلى
زعزعة استقرار سورية بما في ذلك إمكانية قلب النظام.
تتضمن الوثائق والملفات الأميركية والإسرائيلية في الحديث عن مثل هذه
الحالة إشارات إلى أن فرملة هذا الاندفاع كانت تتم تحت ضغط عاملين :
الأول: المصاعب الواقعية المتصلة بتحقيقه فالبدائل المتاحة كرتونية وغير
واضحة القدرة، والنظام متماسك وقادر على مواجهة الضغوط وكيفية التعامل
معها ويملك بسبب موقفه من إسرائيل وصموده بوجه السياسات الأميركية
والإسرائيلية بوليصة تأمين ممتازة لدى شعبه والشعوب العربية الأخرى.
إلا أن الملفت هو أن العامل الثاني يرتبط بما يرد دائماً في مثل هذه
الوثائق من قلق يسجله الإسرائيليون من مستقبل أمنهم الذي يلفه الغموض تجاه
المجهول الذي يمكن أن يلد من جراء العبث المفتوح بالتركيبة السياسية
السورية.
في المواجهة الجديدة التي بات واضحاً أن غرفة عملياتها تدار من واشنطن،
بعدما واكبت اشتعال الأزمة تبدلات في مواقع ومواقف حكومات وشخصيات ومؤسسات
إعلامية ما كانت لتتم لولا الموقف الأميركي الضاغط، وهي جهات ربطتها
صداقات متينة بسورية وبعضها تكسب الكثير من الأدوار والمكانة بسبب ما
منحته له سورية، وساهمت مواقفها من الأحداث السورية في ارتباك قراءة
المشهد على الكثيرين، بات واضحاًَ أيضاً أن واشنطن ترمي برصيدها الاحتياطي
كله مع المواقع الوازنة، لدفع الوضع في سورية إلى خط النهاية، بينما ترمي
بالثقل ذاته لمنع انتقال كرة النار ذاتها وبقوة استخدام ذات الحكومات
والشخصيات والمؤسسات الإعلامية إلى منابع النفط العربي في الخليج.
الرهان الأميركي الجديد لا ينبع من توافر تبدلات في واقع القوى المرشحة
للعب دور في المواجهة الداخلية فالأحجام لم يطالها تبدل يؤسس لمثل هذا
الرهان، ولا موقف القيادة السورية من الصراع العربي- الإسرائيلي أصابه وهن
يضعف الدعم الشعبي المعتاد لسياسات سورية وصمودها، بل على العكس ربما تكون
القوى التي يراهن عليها الأميركيون ازدادت وهناً، والمواقف السورية من
الصراع مع إسرائيل ازدادت راديكالية، خصوصاً في ظل التهاوي الفضائحي
لعملية السلام الهوليودية التي قادها الرئيس الأميركي باراك أوباما، من
جهة وتتالي الانتصارات التي حققتها سورية في حروب إسرائيل الخائبة في
العقد الأخير وتنامي حلفها مع قوى المقاومة تأسيساً على ذلك من جهة أخرى.
يبدو أنه خيار أميركي أكثر مما هو رهان ،فالعام هو عام الخروج النهائي من
العراق وواشنطن معنية ببلوغ هذا الاستحقاق وقد وفرت بوليصة تأمين حقيقة
لمستقبل إسرائيل الذي قالت وثيقة رسمية لوزارة الخارجية الإسرائيلية إنه
يواجه مستقبلاً قاتماً بسبب جفاف مصادر الهجرة والاستيطان من جهة وفشل
التفوق التكنولوجي الحربي لإسرائيل بضمان نصر حاسم وحرب خاطفة وانتشار
تكنولوجيا الصواريخ من حولها من جهة ثانية، وضمور عرب الاعتدال وتنامي
خيار المقاومة الذي تقوده سورية من جهة ثالثة.
حاولت واشنطن مدَّ عرب الاعتدال بأمصال التنشيط فسقطت على أسوار تل أبيب
أمام عنجهية وتصلب وتطرف المواقف الإسرائيلية، وبات تهاويهم حتمياً كما
توقعت الوثيقة الأميركية ذاتها، فركبت موجة السقوط وقررت الانتقال إلى
الضفة الأخرى، إضعاف سورية، والرهان هنا هو على إيجاد مقبس يمكن من خلاله
نقل تيار الحراك الشعبي التغييري إلى سورية بعدما ظهر أنه يمكن أن يكون
مليئاً بالمفاجآت، فأحجام القوى المناوئة للنظام في تونس ومصر لم تكن هي
السبب في نمو الثورات وتقدمها، ولو أن بلوغها النهاية السعيدة استدعى
تدخلا أميركياً لضمان حياد الجيوش هناك.
الحسابات هي أن تغييراً يصيب سورية بالارتباك والفوضى ولو لم يصل إلى
نهاياته يمكن أن يكون أفضل ما تستطيعه واشنطن لتل أبيب قبل انسحابها من
العراق، لكن السؤال هو ما حقيقة الموقف الإسرائيلي من هذا المشروع وهل
سجلت إسرائيل قلقها من خطر الفوضى على أمنها من البدائل الممكنة للوضع
المستقر في سورية؟
الواضح من الصحافة الإسرائيلية وتقارير مراكز الدراسات الأميركية
والإسرائيلية أن تل أبيب انتقلت هذه المرة إلى ضفة التشجيع، على أي قلاقل
واضطرابات في سورية، وهي المذعورة من عودة مصر إلى دورها في الصراع
العربي- الإسرائيلي طالما سورية قوية ومتماسكة، وطالما أن واشنطن فشلت في
روزنامة التحكم بمسار الثورة المصرية، من جهة أخرى طالما أن سورية تمكنت
وهي مستمرة في بناء عناصر قوة يقول الإسرائيليون: إن خطر تحولها إلى عامل
تفجير حرب أقسى على إسرائيل من حرب العام يبقى ماثلاً إذا وضعنا في الحساب
قوة المقاومة ودورها ومدى تناميها وقوة سورية وقوة كل من تركيا وإيران
ومصر التي لن تستطيع الوقوف على الحياد في مثل هذه الحالة، ولا مجال
للمقارنة بين النتائج المحتملة في هذه الحالة مع ظروف حرب .
يقول الإسرائيليون: إن الرئيس الراحل حافظ الأسد سبق التخطيط الإسرائيلي
لمنعه من التفكير بالحرب بسنتين فلو أجل حربه للعام لكانت حرب لبنان كفيلة
بإشغاله ومن بعدها تصنيع التفجيرات الداخلية في سورية ويجب أن تسبق واشنطن
وتل أبيب الرئيس بشار الأسد هذه المرة.
بالأمس قالت دراسة للمخابرات الإسرائيلية، شاباك: إن فك علاقة سورية بقوى
المقاومة والتحالف مع إيران كفيل بعودة الاستقرار لسورية دون أن تقول لنا
كيف؟ فهل هي رسالة تقول إن المطلوب من سورية تنفيذ هذه الشروط وإسرائيل
تتكفل بوقف الأحداث وتعني بذلك أنها تمسك من وراء الستار بدفة القوى التي
تحرك الأحداث أم إنها تقول إن القوى الواقفة وراء الأحداث ترتبط مع
إسرائيل بالتزامات مفادها الدعم مقابل التعهد بالخروج من الصراع مع
إسرائيل؟ وفي الحالتين تبدو إسرائيل من يملك كلمة السر في هذا التخريب
الذي تشهده سورية.
هذا برسم الشباب الذين لا يعرفون ماذا يفعلون ويصدقون أن مسيرة تغيير
وإصلاح هي التي يدعون إليها بينما هم من حيث لا يدرون ينفذون مشيئة
إسرائيلية.
لمن يتعجب من هذا الكلام سؤال لماذا وقفت إسرائيل منذ اليوم الأول ضد
التبني الأميركي للثورة المصرية وتقف على خط التشجيع لما يجري في سورية؟
هذا يكشف ببساطة أن التشويش الذي سببته مواقف بعض أصدقاء سورية تحت عنوان
مع الثورات في كل مكان ،يسقط مع عجز هذه المواقف عن التجرؤ للوقوف مع ثورة
قريبة من بقعة نفط لأن أمر العمليات الأميركي شديد الوضوح، ويسقط بالضربة
القاضية مع علانية الموقف الإسرائيلي.