أساليب التفكير
أولاً ـ معنى الأساليب :
لماذا يكون بعض الطلاب ناشطين ومتفوقين عند مدرسين وخاملين وغير متفوقين عند آخرين ؟ ولماذا يكون بعضهم في حالة صراع وعناد مع مدرسيهم , وبصداقة وتفهم مع مدرسين آخرين ؟ ولماذا يفضل بعض المدرسين والطلاب طريقة المحاضرة , بينما يميل البعض الآخر إلى طريقة المناقشة داخل الحجرة الدراسية ؟ ولماذا يفضل بعض المدرسين والطلاب الأسئلة الموضوعية , فيما يفضل البعض الآخر الأسئلة المقالية ؟ (Grigorenko& Sternberg , 1997 ,p205 ).
هذه الأسئلة وغيرها قد تسترعي انتباه الكثير منا , خلال تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين ومن خلال اختياراتنا وتصرفاتنا , فقد نقول عن شخص ما بأنه بغيض أو غير محبوب فيما ينظر إليه شخص آخر على أنّه شخص محبوب والعمل معه ممتع , فما سبب اختلاف هذه النظرة ؟. فالأشخاص قد يكونون متساوين في قدراتهم , ومع ذلك فهم يستخدمون أساليب مختلفة , إنَّ الأشخاص الذين تتوافق أساليبهم مع موقف معين بنجاح عادةً ما نحكم عليهم أنهم يمتلكون موهبة أو قدرة عالية , على الرغم من أنهم قد لا يمتلكون هذه القدرات , إنهم فقط متوافقون مع الوضع , فمثلاً الطالب الذي يتوافق أسلوبه مع مدرس أو موقف معين , يبدو متفوقاً , مع أنه قد لا يكون كذلك بدرجة كبيرة ( عبيدات وأبو السميد , 2007 , ص 165 ).
ويشير كل من ستيرنبرغ و واغنرSternberg & Wagner 1991 إلى أن القدرات الدراسية واختبارات الإنجاز التقليدية لا تعطي سوى تفسير قليل للاختلافات الفردية من حيث الإنجاز الدراسي (Sternberg & Wagner, 1991, p1).
وفي الحقيقة فإنَّ المؤثرات غير الدراسية تلعب دوراً هاماً في حصول مثل هذه الاختلافات, فمن الباحثين من يشير إلى الدافعية, والبعض يشير إلى العوامل الأسرية والدعم العائلي, والبعض يشير إلى تقدير الذات , أما الأسلوب كمتغير أساسي في هذه الاختلافات فقد درس على نطاق واسع بمختلف أنواع الأساليب سواء (الأساليب المعرفية أو أساليب التعلم أو أساليب التفكير ) ( Zhang ,2002a,p331) .
ولعل البداية الأولى لظهور مفهوم الأساليب كما يذكر العتوم 2004 تعود إلى العالم الأمريكي وليم جيمس William James 1890 عندما أكد على أهمية دراسة الفروق الفردية من خلال الأساليب المختلفة التي يتبناها الأفراد( العتوم , 2004 , 385 ).
وفي عام 1937 قدم ألبورت Alport أسلوب الحياة كمفهوم نفسي , عندما أشار إلى أنَّ أسلوب الحياة Life style يعني النمط الذي يثبت تميز الشخصية , أو باختصار ( نمط السلوك Type of Behavior ) , وأن هذا النمط يتركب أو يتكون عبر فترات زمنية طويلة, وعبر بعض مجالات النشاط ( In Grigorenko& Sternberg , 1995 , p205).
ومن ثم ظهرت ثورة الأساليب المعرفية في الخمسينيات وبداية الستينيات مع فكرة أنّ الأساليب يمكن أنْ تمدنا بحلقة وصل بين دراسة الإدراك ( كيف ندرك وكيف نتعلم وكيف نفكر؟ ) ودراسة الشخصية , وتبرز إلى الواجهة أعمال كل من كاغان Kagan و وتكن وزملائه Witkine et al. ( ستيرنبرغ , 2004 , ص 217 ) , حيث يشير وتكن وزملائه Witkine et al.1974إلى أنَّ الأسلوب المعرفي هو عبارة عن الخصائص المميزة للفرد والتي يستخدمها في مدى واسع من المواقف , ويشتمل على نشاطات عقلية وإدراكية , أما كوب و سيغيل & Coop 1969 Sigle فيشيران بأنه يدل على اتساق طرق وأساليب أداء الفرد في مختلف المواقف السلوكية ( الزيات , 2001 , ص 291 ) .
ومن ثم تعددت المجالات التي تم البحث من خلالها في مجال الأساليب , فظهرت نظريات تحاول تفسير أساليب التعلم Learning Styles( كنظرية كولب Kolb 1984 , دَن ودَن Dun & Dun 1985) ويبحث هذا النوع من الأساليب في الطريقة التي يحب بها الأفراد أن يتعلموا . كما تم البحث في مجال أساليب التدريس Teaching Styles , ويشير هذا النوع من الأساليب إلى الطرق المفضلة في تقديم المحتوى العلمي أو الدراسي من قبل المعلمين, ومن النظريات التي بحثت في هذا المجال نظرية هينسون و بروثويك Henson & Borthwick , غراشا Grasha 1997 ( ستيرنبرغ , 2004 , ص ص 252- 253).
ومن المجالات التي تم التطرق إليها في مجال الأساليب , مجال التفكير والأساليب المفضّلة التي نوظف بها تفكيرنا , وهو المجال الذي سيكون محور الدراسة الحالية .
ثانياً : أساليب التفكير وعلاقتها ببعض المفاهيم النفسية :
يتداخل مفهوم أساليب التفكير مع العديد من المفاهيم النفسية , وفي نفس الوقت يتميّز عن هذه المفاهيم, فهو ليس بقدرة وليس بنمط من أنماط الشخصية وكذلك ليس بإستراتيجية , ولولا هذا التميّز عن هذه المفاهيم لما كان للبحث والدراسة في أساليب التفكير أي قيمة علمية أو عملية , فبنيته المستقلة بذاتها كمفهوم وفي الوقت نفسه طبيعة علاقاته المتداخلة مع المفاهيم النفسية الأخرى هي التي تكسب هذا المفهوم شرعيته كمفهوم خاص , يأخذ البحث فيه منحى علمي وجدّي , وفيما يلي استعراض لأهم المفاهيم النفسية التي قد يحدث فيها الخلط بين الأسلوب و بينها :
أ ـ أساليب التفكير و القدرات Thinking Styles & Abilities:
إنَّ من بين أهم النقاط التي ركز عليها ستيرنبرغ Sternberg عندما طرح نظريته لأساليب التفكير , هي أن الأساليب ليست بقدرات ولكنها تمثل تعبيراً عن هذه القدرات , ولكي ندرك حقيقة هذا الإدعاء يجب علينا أن نعرف ما هي طبيعة القدرات .
تشير الأحمد 2001 إلى أن القدرات عبارة عن مضمون للمعلومات ومكوناتها , وأن هذه القدرات محدودة الانتشار والامتداد, وتختص بمجال معين أو وظائف معينة مثل القدرات العددية والرياضية واللفظية , في حين تتواجد الأساليب في جميع مجالات القدرات بالإضافة إلى مجال الشخصية بخصائصها وسماتها المختلفة ( الأحمد ,2001 , ص 133 ) .
فالشخص قد يكون لديه قدرة على التفكير الإبداعي ولكنه لم يستخدم الأسلوب المناسب للتعبير عن هذه القدرة كالأسلوب التشريعي أو التحرري , فيظهر هذا الشخص و كأنه لا يمتلك هذه القدرة لأنه في الحقيقة لم يظهر هذه القدرة بالشكل الصحيح, وللأسف فإن الكثير من طلاب مدارسنا يقعون ضحية فرض أساليب محددة دون غيرها, لا تسمح لهم بإظهار قدراتهم الحقيقية (Sternberg , 2002, p110), ولا بُدَّ من الإشارة إلى أنّ التمييز بين الأفراد في القدرات هو تمييز كمي , بينما يقوم التمييز بين الأفراد في الأساليب على التمييز النوعي أي مدى تفضيل الفرد لأسلوب معين دون غيره .
ب ـ أساليب التفكير وأنماط الشخصيةThinking Styles & Personality Types :
يقدم ربيع 2008 تعريفاً لأنماط الشخصية ينص على أنها : جملة الصفات والخصائص الاجتماعية والخلقية والمزاجية التي تميز الفرد عن غيره , ومن أمثلة الأنماط النفسية الانطواء والانبساط , الاكتئاب أو الهوس ( ربيع , 2008 , ص 35 ), ويذكر العتوم 2004 بأن مصطلح ( Style ) ترجم إلى العربية بمصطلحين هما ( الأسلوب ) و ( النمط ), ويؤكد على أن مصطلح ( النمط ) يرتبط أكثر بدراسة الشخصية , حيث يرتبط بمفاهيم الانطواء والانبساط أو النمط ( أ ) والنمط ( ب ) , أما مصطلح أسلوب فقد ارتبط أكثر بالمجال المعرفي فهو يشير إلى عمليات الإدراك والتفكير والتذكر والتخيل وحل المشكلات واتخاذ القرارات ( العتوم ,2004 , ص 285 ) .
ولعل الإجابة الشافية عن هذا الموضوع تأتي من قبل أشهر مُنظّر في مجال الشخصية في العصر الحديث ألا وهو هانز آيزنك Hans Eysenck 1976 فيرى بأن أنماط الشخصية هي محصلة تفاعل العوامل الوراثية والعوامل البيئية سويةً مع إعطاء الأولوية للأساس الوراثي, ومعتبراً أن هذه الأبعاد هي عبارة عن تنظيم ثابت ومستمر نسبياً لخلق الفرد ومزاجه وعقله وجسمه ( نقلاً عن مخائيل , 2006 , ص124 ) .
فأنماط الشخصية تجنح لأن تكون صفة ثابتة تلازم الفرد في جميع المواقف التي يتعرض لها, وتلعب فيها الوراثة دوراً كبيراً جداً, بينما أساليب التفكير تجنح إلى أن تكون متغيرة بتغير المواقف, بالإضافة إلى أن للعوامل الاجتماعية دوراً كبيراً في ظهورها.
ج ـ أساليب التفكير واستراتيجيات التفكير:Thinking Styles &Thinking strategic
يعد مصطلح الاستراتيجيات من أكثرا لمصطلحات صلةً بأساليب التفكير, فالاستراتيجيات عبارة عن طرائق عامة يستخدمها الأفراد في الأعمال العقلية , أي أنها بمثابة طرق للإدراك والتفكير والتذكر وتكوين المعلومات ومعالجتها و حل المشكلات( الأحمد ,2001,ص134) .
ويفرق كل من رينتزوس و سيمبسون Simpson 2005 &Rentzos بين أساليب التفكير واستراتيجيات التفكير بالإشارة إلى أنَّ الاستراتيجيات تستخدم من قبل الطلاب للقيام بمهمات أساسية معينة , ويشيران إلى أن الفرق الأساسي بين الأساليب والاستراتيجيات يتضمن المدى الذي تتوزع عليه مهمات كل منهما , فالأسلوب يشير إلى تفضيل عام , فيما تشير الإستراتيجية إلى اختيار معين تم بناؤه بالاعتماد على عوامل عدة , كطبيعة المهمة والإمكانات المتاحة و الوقت المتوفر ... إلخ (Simpson , 2005, p 330 & Rentzos ).