غسل الأموال القذرة من أساليب عصابات الإجرام التي انتشرت في العالم تنحذه هذه العصابات لتخفي من ورائها أمورا عديدة, حيث تقوم بنشاط من حيث الظاهر مشروع, كإنشاء المتاجر و المطاعم ومحلات بيع المجوهرات,
وتعتبر هذه الأنشطة غطاء لنشاط آخر غير مشروع كالاتجار في المخدرات أو أي نشاط إجرامي أخر ( كالرشوة التي يحصل عليها العاملون في الدولة مثلا ) إذ يتم إيداع الأموال القذرة متحصله من الاتجار غير المشروع في المخدرات مثلاً , كما لو كانت متحصله من النشاط الظاهر للعيان المشروع وذلك بقصد إصباغ المشروعية على هذه الأموال, فأموال المخدرات تستثمر مثلا في شراء الأراضي ثم تباع ويتم استثمار هذه الأموال ثانية في شراء المجوهرات وغيرها من الأشياء والبضائع التي تعد حيازتها مشروعة قانونًا. وذلك لمحاولة تغيير وصف هذه الأموال من غير مشروعه إلي مشروعه.
ولذلك فلقد اهتمت العديد من دول العالم بهذه الظاهرة – وسوف نتعرض بشكل مبسط إلي هذا الموضوع في القانون الليبي في إطار ما يمكن استيعابه في هذا الحيز تارك الأمر لدراسة تفصيله قد تنشر بشكل متخصص إن شاء الله.
هذا ولقد ارتبط غسل الأموال في البدء بتجارة المخدرات وبمهربي المخدرات والتي أعطت مجالاً واسعاً للأموال القذرة وذلك بسبب العوائد العالية, وان كان هذا الأمر قد اخذ في الاتجار و تشير الدراسات إلي إن الأنشطة [ الفساد المالي و الوظيفي ] خاصةً في الدول النامية من قبل المتنفذين وأصحاب السلطة - ... إلي خلق ثروات طائلة غير مشروعة تحتاج لتكوين محلاً للشغل كي تمكن أصحابها من الاستفادة منها, حيث نجد بعض الموظفين في الدول النامية يحصلون علي أموال ضخمة من الرشاوى و الأفعال الاخري غير المشروعة وهو ما يدعو إلي ولوج ساحة غسل الأموال.
وللأسف الشديد فإن غسل الأموال تعد من الأنشطة التي تتعاون فيها عدة جهات كخبراء المال و المصارف وخبراء التقنية والاقتصاديون – وهو ما ساهم وبشكل كبير و متصاعد في إفساد الذمم بشرائها بأموال قد حصلوا عليها دون عناء وتعب .
ولقد وصلت حجم الأموال التي تم غسلها سنوياً حسب بعض الدارسات إلي مليارات من الدولارات وهو ما يساهم بقدر كبير في التأثير علي اقتصاديات الدول بخروج الأموال بطريقة غير مشرعة في حين إن مصدرها غير مشروع أيضاً.
وبسبب خطورة هذا الأمر, فقد حرصت العديد من الدول علي وضع قانون خاص من اجل مكافحة غسل الأموال ومن ذلك ليبيا ,ومصر وسوف نتعرض في هذا الجانب وبشكل مختصر لقانون مكافحة غسل الأموال الليبي .
أ- تعريف غسل الأموال :-
اصطلاح غسل الأموال ليس قديماً, بل أنه يرجع إلي عصابات المافيا التي كان توفر بحوزتها أموال نقدية طائلة قائمة علي الأنشطة غير مشروعة كالقمار, وقد احتاجت هذه العصابات إن تصفي شيئا من المشروعية علي مصادر أموالها وكان أبرز السبل لتحقيق هذا الهدف هو شراء المشاريع وهو ما قام به زعيم المافيا ( آل كابون ).
ثم عاد هذا المصطلح إلي البروز ذلك إبان فضيحة ووتر جيت عام 1973 غير إن الظهور القانوني لم يكن إلا سنة 1982 في الولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة دعوي منظورة أمام القضاء.
ولقد ورد بدليل اللغة الأوربية لغسل الأموال الصادرة سنة 1990 تعريف لغسل الأموال بأنه [ عملية تحويل الأموال المتحصلة من أنشطة جريمة يهدف في إخفاء أو إنكار المصدر غير المشروع والمحظور لهذه الأموال, أو مساعدة شخص أرتكب جريمة لتجنب المسئولية القانونية من الاحتفاظ بمحصلات هذا الجرم ].
ب- ما يعتبر جريمة غسل أموال في القانون الليبي :-
لم يكن القانون الليبي في الماضي يتعامل مع الأموال غير المشروعة من خلال قانون خاص ولكن بالرغم من ذلك كان يعالج الأمور المتعلقة بالأموال غير المشروعة وفي العديد من القوانين, إذ تجسدت المراحل الأولي في إطار المادة 405 مكررة(أ) من قانون العقوبات والتي تتحدث عن جريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من جناية أو جنحة.
أما المرحلة الثانية فقد جسدها قانون من أين لك هذا، في حين أن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23/1373 لتعديل وإضافة بعض الإحكام إلي القانون رقم 7 لسنة 1990 بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية.
ثم أتت المرحلة الأخيرة وهي محور هذا المقال حيث صدر القانون رقم 2 لسنة 1373 بشأن مكافحة غسل الأموال الصادر عن مؤتمر الشعب العام في 12 أي النار 1373. ولقد حدد هذا القانون في المادة الأولي منه الأفعال التي تعتبر جرائم غسل الأموال نصت المادة الثالثة علي انه [ أولا: يُعد مرتكباً جريمة غسل الأموال كل من أتى سلوكاً من أنماط السلوك التالية:
أ- تملك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو استعمالها أو استغلالها, أو التصرف فيها علي أي وجه أو تحويلها أو نقلها أو إيداعها أو إخفاؤها بقصد تمويه مصدرها غير المشروع.
ب- تمويه حقيقة الأموال غير المشروعة أو إخفاء مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها أو الحقوق المتعلقة بها أو ملكيتها أو حيازها .
ج- الاشتراك فيما سبق بأي صورة من صور الاشتراك .
ثانيا:-تكون الأموال غير مشروعة, إذا كانت متحصله من جريمة بما في ذلك الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وغيرها من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي تكون الدولة طرف فيها.
ومسلك القانون الليبي – من حيث تحديده لم يعتبر غسل الأموال مسلكاً محموداً فهو يكاد يشمل كل صور غسل الأموال ويتوافق مع السياسة الدولية لمكافحة غسل الأموال هذه الجريمة التي لا تعرف السكينة, إذا أنها متحركة تتحرك عبر الحدود, بل إن من معالمتها التنقل من مكان إلي أخر مستغلة في ذلك تغيرات القانون التي لن يخلو منها نظام قانوني منها حرص المشرع علي صياغته بشكل يعتقد في كماله.
• أساليب غسل الأموال:-
لايمكن بحال من الأحوال حصر أساليب غسل الأموال فقد تعددت بشكل يصعب حصرها وساعد علي تعدد هذه التقنية التي أصبحت من سمات هذا العالم الحديث فالحضارة كما كان لها حسناتها كانت لها انتكاساتها علي صعيد الأفراد وحرياتهم وسعادتهم وأمنهم ومن ذلك المخدرات الصناعية التي تدخل العلم الحديث في خلقها كما ساهم العلم الحديث في تعدد أساليب غسل الأموال بشكل يتنامي ويتزايد مع مرور الأيام والحوادث وقد أستعمل العلم في هذا الشأن بشكل سافر وسوف نتعرض لبعض هذه الأساليب.
1 – الحسابات السرية :- حيث استغلت الحسابات السرية في تنظيف الأموال القذرة من قبل غاسلي الأموال إذ أن العديد من القوانين تحمي السرية المصرفية وهذه الحسابات لا تجيز كشف هوية صاحب الحساب السري وكثيراً ما يستغل تجار المخدرات هذه الحسابات كتبييض النقود وقد اكتشفت العديد من عمليات التنظيف تورطت فيها بعض المصارف و العديد من الدول.
غير إن هذا الأسلوب وان كان من الأساليب المفضلة لدى عصابات غسل الأموال إلا إن هذا الأسلوب في كثير من الأحيان يتعرض للكشف باعتبار إن بعض الموظفين قد يكون لهم اطلاع علي هوية صاحب الحساب .
2 – التحويل البرقي:- ويعتمد هذا الأسلوب علي البحث عن مؤسسات مصرفية لا تمانع في قبول مبالغ ضخمة داخل البلاد وعلي أن تقوم بحجب هذا الأمر علي سلطات الدولة المكلفة بالمكافحة.
ويزداد نشاط هذا الأسلوب عن طريقة الرشاوى التي تقدم لكبار المسئولين في المؤسسات المصرفية, كما حصل في إحدى البنوك في أمريكا سنة 1980 حيث ترتب علي ذلك غسل 94 مليون دولار.
3 – استغلال مكاتب الصرافة في غسل الأموال وتمكين أعضاء العصابات من خلال هذا الأسلوب من تحويل مبالغ طائلة إلي دول اجنبية باسم شركات وهمية.
خطة مكافحة غسل الأموال في نطاق القانون الليبي وتظهر هذه الخطة من خلال مظاهر ( العقاب ) من جانب أخر من خلال( الثواب) الحوافز علي النحو الأتي:
أولا: مظاهر العقاب:-
فرض القانون رقم 2 لسنة 73 بشأن مكافحة غسل الأموال عقوبة السجن والغرامة التي تعادل قيمة المال محل الجريمة مع مصادرة إجزاء تملك الأموال غير المشروعية أو حيازتها أو استعمالها أو استغلالها أو التصرف فيها أو تداولها أو نقلها أو إيداعها أو إخفاؤها بقصد تمويه مصدرها غير المشروع
ب- معاقبة المنشات التي ترتكب جريمة غسل الأموال باسمها أو لحسابها وبغرامة تعادل ضعف المال محل الجريمة مع مصادرة المال.
ج- فرض القانون الخاص بمكافحة غسل الأموال عقوبة الحبس والغرامة التي لاتتجاوز عشرة ألاف دينار ولاتقل عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل مسئول أو موظف في منشأة ماليه أو تجاريه أو اقتصاديه يعلم بوقوع السلوك في منشأته تتصل بجريمة غسل الأموال ويمتنع عن الإبلاغ عنها إلى الجهة المختصة.
د- المراقبة المصرفية: حيث نص القانون على معاقبة المصرف الذي لم يتقيد بالحدود التي قررها المصرف المركزي والتي يسمح بإدخالها إلى الدولة نقد ا دون الإفصاح عنها وعن مصدرها بعقوبة غرامة ويتم التحفظ على الأموال حول المخالفة.
ه- لمحافظ مصرف ليبيا المركزي تجميد الحسابات التي يشتبه في علاقتها بجريمة غسل الأموال مدة لاتزيد على شهر .
و- لرئيس النيابة المختص إن يأمر بالتحفظ على الحسابات أو الأموال أو الوسائل المشتبه في علاقتها بجريمة غسل الأموال على إلا تزيد مدة الحجز التحفظي بموجب هذه الفقرة عن ثلاثة أشهر .
ثانيا:- مظاهر الثواب (الحوافز) لقد نص القانون الخاص مكافحة غسل الأموال على إنه ( يعفي من العقاب كل من يبلغ عن جريمة غسل الأموال قبل اكتشافها من الجهات المختصة .
الالتزام بسرية المعلومات :-
نصت المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال بأنه (على الجهات التي تحصل على معلومات أو بيانات وفقا لإحكام هذا القانون إن تحافظ على سريتها ولا تكشف عنها إلا بالقدر الضروري اللازم لاستخدامها في التحقيقات والدعاوى والقضايا المتعلقة بجريمة غسل الأموال والجرائم الأخرى المنصوص عليها في هذا القانون .
هذه نظرة سريعة حول قانون مكافحة غسل لأموال القذرة, وهو قانون جديدا أخد فيه المشرع الليبي ......التشريعات الحديثة , مجسدا الاتفاقيات الدولية التي تدعوا التعاون بين الدول باعتبار إن هذه الجريمة من الجرائم الممتدة عبر الحدود,بل إنها تتجاوز الحدود تكاد تكون السمة التي تصطبغ بها هذه الجريمة التي تعد اخطر (جرائم عصر الاقتصاد الرقمي) فهي تحدد للمؤسسات المال و الإعمال, فغسيل الأموال جريمة ذوي الياقات البيضاء , ترتكب من محترفي الإجرام الذين إلا تتوافق سمعتهم مع السمات الجريمة التي حددتها نظريات علم الإجرام والعقاب التقليدية وخطورتها تكمن في أنها تعد جريمة لاحقة لأنشطة إجرامية تحقق عوائد مالية غير مشروعة.