التحليل الروائي لسورة التوبة
للمؤلف: عبد الباقي يوسف
مع قراءَتك لآياتِ هذه السُّورة والولوجِ إلى رحابةِ عالمِها الغَنِيِّ، تتعرَّف على تفاصيلِ كيف أنَّكِ يمكنُ أنْ تبقَى في عنايةِ اللهِ، وعندها يتولّى اللهُ عزَّ وجلَّ أمرَك، فترى كيفَ أنَّه يجعلُك تتسرَّعُ في بعض المواضعِ في قولِ بعضِ الكَلِمات، أو تتسرَّع في اتّخاذِ بعضِ المواقفِ، وبعدَ ذلك تندمُ وتقولُ: ليتَني لم أتسرَّع في ذلك، كانَ عليَّ الانتظارُ قليلاً.
لكن فيما بعد سيجْلو لك كيف أنَّ ذاكَ التسرّعَ أصبحَ أساساً لخيرٍ كبيرٍ أصابك، أو مانعاً لأذى كبيرٍ كان سيصيبك. فهذا ما نسمّيه بالترتيبات الإلهيّة لِمَن أولوا أمورهم إلى الله سبحانه وتعالى، وتوكّلوا عليه. فهو جلّ شأنه يرتّب لهم مقوّمات حياةٍ طيّبةٍ، ويجنّبهم أهلَ الشرِّ والطغيان الذين يحيكونَ مخطّطات الفتك بهم. ولكنَّ العِناية الإلهيةَ لاتلبث
مانعةً إيّاهُم من تنفيذ ذلك، ولو في اللَّحظات الأخيرة والنجاة بأعجوبةٍ، لأنهم يعيشونَ في حصانَة الله.
هذه من المواضيع الحيويّة اليوميّة التي تعرّفك السُّورة على حيثيّاتها، وتجعلُك تنتبِه إلى ما لم تكن منتبهاً إليه. وهكذا تجعلُك السورةُ تعيشُ لحظاتٍ ذهبيةً معها في متعةِ الاكتشاف الثمين، تلو الاكتشاف الثمين، وأنتَ تضعُ يدكَ على هذه البيانات الذَّهبية التي كانت مبهمةً لك، أو لم تكن قد خطرَت لك البتةَ، وتقول: هاهي ذي. وأنتَ تزداد استنارةً، وتزداد معرفةً، وتزدادُ إشراقاً، وتزداد إيماناً بالله. بل قد تكتشف في ذلك شيئاً غايةً في الخطورة، وهو أنك لم تكن بالأصل مؤمناً بالله، بل كنتَ تتكهَّن الإيمانَ، وهو في حقيقته لم يكنْ إيماناً البتة، بل إنك كنتَ ملحداً رغم كل ما كنتَ تؤدّيه من فرائضَ وسننِ الإيمان. أجل فهذا أيضاً ممّا تتيحُ لك هذه السورةُ معرفته، وأنت تقرأ آياتها بذهنية منفتحة.
فأنتَ كنتَ قد رسمتَ تكهّنا لله في مخيّلتك، فتجعله يوافقُك على هذا، ولا يوافِقك على ذاك، يبيحُ لكَ هذا الانتهاكُ على حدوده، يبيحُ لك هذا التجاوزَ على أموال الناس وأعراضهم ؛ فبعد قراءتك الاستنارية تُدرك بأن ما تؤمنُ به هو ليسَ رب العالمين، بل هو إلهٌ وثنيٌّ صنعته أنتَ في مخيّلتك، أو صنعه لك بعضهم، وجعلك تؤمن به على أنه ربُّ العالمين. فتوقظُك السورةُ على حقيقة ما أنتَ فيه من وَهْمٍ، وأنكَ في الواقع إنسانٌ وثنيٌّ، أو إنسانٌ منافقٌ. وهكذا تراك تنتقلُ من وهمٍ كبيرٍ إلى حقيقةٍ كُبرى، فتكشفُ لك السُّورةُ الحقيقة من غير حرجٍ، وتأخذ بيدكَ وهي تنقذك من غفلتك التي كنتَ في متاهاتها.
سورة التوبة تمتلك مقدرةً هائلةً كي تنقّيك من داخلك، وتُطهّرك من آثامك، وتُحسّن لك آفاق حياتك بشكلٍ لم تكن تتخيَّله، تجعلُك تستشعرُ بمدى دنُوِّك من الله، ومدى دنوِّه منك، إنّها توثّق علاقَتك بالله وتُعرّفُك على ما لاتعرفُ من بركاتِ ربكَ.
تفاصيل كتاب التحليل الروائي لسورة التوبة
للمؤلف: عبد الباقي يوسف
التصنيف: المكتبة الاسلامية -> علوم القرآن الكريم
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: عبد الباقي يوسف
بتاريخ: 02-11-2021
عدد مرات التحميل: 0
مرات الزيارة: 10
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: عبد الباقي يوسف
عرض جميع الكتب للمؤلف: عبد الباقي يوسف