تاريخ الصراعات السياسية في الســودان والصومــال
تعنى هذه الدراسة بتاريخ السودان المعاصر منذ استقلاله ولغاية الآن، حيث يعيش هذا البلد العربي مضاعفات مرحلة بناء الدولة الحديثة التي تلقي بتأثيراتٍ متعدّدة، سلباً، على كثير من مكونات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية فيه، وعلى وحدته المجتمعية والإثنية؛ التي تبدو من بين أكثر الكيانات حساسيةً تجاه الصراعات السياسية والعسكرية الداخلية التي ما زالت تظلّلها دوّامات من الرياح العواصف والصراعات المتراكمة الإقليمية والدولية، على منطقة القرن الإفريقي. وتعتبر قضية جنوب السودان من أخطر وأكثر القضايا الإقليمية تعقيداً في القارة الإفريقية والعالم العربي. فقد لازمت هذه القضية السودان حتى قبل استقلاله، حيث تطاولت الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتسببت في الإطاحة بالنظام العسكري الأول (الفريق إبراهيم عبود) والثاني (جعفر محمد نميري)، كما أودت بالديمقراطية الثانية والثالثة (التي تم تناولها في متن هذه الدراسة)، وقاد إلى إحداث العديد من الأزمات السياسية والانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه السودان اليوم، إضافة إلى ما تمخض عنه من الصراع بين الشمال والجنوب الذي دارت رحاه منذ عقدين من الزمن بوصفه أطول صراع من نوعه في القارة الإفريقية عن مقتل نحو مليوني شخص. وتعود أسباب أزمة الجنوب، وبالتالي النزاع في الجنوب السوداني إلى عوامل جغرافية وتاريخية وسياسية، وإلى طبيعة التكوين البشري للسكان الذين ينتمون إلى أعراق وديانات وثقافات متعددة، من دون أن ننسى دور السياسة الاستعمارية البريطانية الانفصالية التي مارستها في السودان قبل الاستقلال، وكذلك أيضاً الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات الوطنية المتعاقبة في تصديها لحل أزمة الجنوب، كما لا يجوز أن ننسى الدور السلبي لبعض القيادات الجنوبية التي ذهبت إلى الاستقواء بالقوى الدولية العظمى وإسرائيل، مُحَّوِلَة بذلك أزمة الجنوب إلى بوابة لتدخل الولايات المتحدة الأميركية في شؤون السودان الداخلية. بعد خمس سنوات من سكوت أصوات المدافع في جنوب السودان عقب توقيع اتفاقيات نيفاشا في سنة 2005، جرى الاستفتاء في 9 كانون الثاني / يناير 2011، الذي شكل موعداً لحسم مسألة ما إذا كان جنوب السودان، الغني بالنفط والذي تعتنق أغلبية سكانه المسيحية أو يعبدون الوثنية، سيقرر الانفصال عن شمال السودان صاحب الأغلبية المسلمة، الفقير نفطياً، الأمر الذي سيقود إلى ولادة دولة جديدة، أم إن سكان الجنوب سيقررون البقاء في ظل وحدة الدولة المركزية السودانية. الآن، وبعد إعلان نتائج الاستفتاء، أصبح انفصال جنوب السودان أو استقلاله أمراً واقعاً، بصرف النظر عن الاحتمالات المظلمة لعلاقات الشمال بالجنوب بل مستقبل السودان نفسه بل المنطقة كلها عقب المتغيرات المتوقعة في مصر. فهناك دولة إفريقية جديدة ولدت، هي الدولة الرابعة والخمسون في إفريقيا، ستغير الخريطة، في القارة وفي بلد المليون ميل مربع. لن يعود أكبر بلد أفريقي مساحةً. ستتغير حدود الجغرافيا... ومعها بعض ملامح السياسة. يطرح انفصال الجنوب جملة من التحديات، للسودانيين بشطريهم، ولأهل المنطقة من الجيران الأقربين والأبعدين، وبعض أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً. ستشرّع الأبواب أمام جملة من التداعيات والتساؤلات. مرحلة ما بعد الاستفتاء هي المحك الأساس. ليست أقل خطورة من المراحل التي استلزمت من أهل البلد نصف قرن من الحرب الأهلية التي حصدت نحو مليوني ضحية. واستنزفت طاقات ومصادر، واستدعت تدخلات إقليمية ودولية. لا شك أن هناك تداعيات حول حق تقرير المصير لجنوب السودان بعد أن أفضى الاستفتاء الذي جرى في 9 كانون الثاني / يناير 2011 إلى الانفصال، الأمر الذي سيقود بدوره إلى تقسيم الدولة السودانية الحالية إلى دولتين، واحدة في الشمال، وثانية في الجنوب. والحال هذه، يُعَّدُ انفصال الجنوب أول سابقة قانونية وسياسية في تاريخ القارة الإفريقية. فهو أول حالة انفصال بتقرير المصير في إفريقيا، حيث لم يسبق لدولة إفريقية أن انشطرت لقسمين بتقرير المصير. في الواقع التاريخي، سوف يؤدي انفصال جنوب السودان إلى تغييرات إستراتيجية في المحيط الإقليمي للقارة الأفريقية، لا سيما أن هذا الأمر سيمتد إلى حدود دول القارة فضلاً عن تداخل المصالح الدولية مع دولة جنوب السودان الوليدة. وستكون لهذا الانفصال تداعيات خطيرة على دول الجوار الأفريقي.. ويرى المحللون المتابعون للأوضاع في جنوب السودان، أن الانفصال لن يكون سهلا كما يتخيل البعض، لأن دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان لن تسلم بدولة جنوبية معترف بها لأنها تعاني من المشكلة عينها. ومن شأن قيام مثل تلك الدولة الجنوبية الجديدة نقل العدوى إليها. كما تعنى هذه الدراسة أيضاً بتاريخ الصومال الذي خضع للإستعمار الإيطالي منذ نهاية القرن التاسع عشر، إذ إن إيطاليا التي توحّدت في مؤتمر برلين عام 1884، كانت تسعى بشغفٍ إلى تأكيد وجودها للتعويض عن تأخّرها السياسي والاقتصادي قياساً على سائر بلدان أوروبا الغربية. فمطامعها الاستعمارية لم تكن استراتجية أو اقتصادية، بل لاكتساب مجدٍ استعاضيّ مع تأمين قيام مستوطناتٍ بشرية قادرة على احتواء النزف الديموغرافي الذي كانت تشكو منه (نحو الولايات المتحدة والأرجنتين على وجه الخصوص). ولم تحدّ الفاشية من هذه النزعة، بل حوّلت الظاهرة الكولونيالية الإيطالية إلى دراما نفسية تعويضيّة ستؤدّي في عشرينات القرن العشرين إلى وقوع مجازرٍ حقيقيّة وتدمير كافّة آليات الانضباط الاجتماعي المحليّة المتوارثة. ورغم أن الشعب الصومالي خضع للإستعمار الأوروبي منذ نهاية القرن التاسع عشر، فإنه بقي موحّداً ثقافيّاً، ومحافظاً على هويته. فكان الاستقلال في عام 1960، وهو الذي سيفتح في نظره الطريق إلى إعادة الوحدة. حتّى أنّ فكرة -الصومال الكبير- قد تحوّلت مشروعاً وطنياً مركزيّاً. وكانت دول الجوار الجغرافي للصومال قلقة من يقظة شعور قومي أو ديني صومالي قد يدفع بالصومال إلى فتح جبهة مع إثيوبيا وكينيا لاستكمال تجسيد وطن -الصومال الكبير- - الذي ترمز إليه النجمة الخماسية في العلم الصومالي - بتحرير الأقاليم الصومالية خارج حدود الدولة عشية استقلالها عام 1960. فقد تأسست إثيوبيا وكينيا على حساب وحدة الصومال؛ فإثيوبيا استأثرت بإقليم أوغادين الذي يمثل حاليًا الإقليم الخامس من الدولة الإثيوبية، في حين ضمت كينيا ما يُعرف بإقليم -الحدود الشمالية- والذي يقطنه نحو مليونين من الصوماليين. يعتبر الكثيرون أن جذور الأزمة الصومالية تعود لهزيمة سياد بري عام 1978 في الحرب الصومالية الثانية التي خاضها ضد إثيوبيا لاستعادة إقليم أوغادين، أي أنها تعود لمحاولة الصومال استعادة حدوده، وبذلك بدأ العد التنازلي لنهاية حكم بري، وبسعي خاص من إثيوبيا التي عملت على تسليح وتدريب الجماعات القبلية المختلفة للإطاحة بالحكم. منذ العام 1998 والولايات المتحدة تعتبر الصومال مشكلةً أمنيّةً، حيث تبيّن أنّها استُخدِمَت لتحضير الاعتداءات على السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا خلال صيف ذلك العام، إضافةً إلى الاعتداء على أحد فنادق مومباسا في تشرين الثاني / نوفمبر من العام 2002. وكان الغرب متخوفا من تعاظم نفوذ -المحاكم الإسلامية- في الصومالفي عام 2006، لاسيما وأن صعود الإسلام في الصومال يترافق مع نهضة إسلامية تمتدّ على نطاق واسع في دول العالم الإسلامي. وبالتالي، فإن نجاح المحاكم في الصومال سيؤدي إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية لمنطقة القرن الإفريقي، كما أنه سيشكّل دفعة قوية للمشروع الإسلامي العام، ما قد يُلحق ضرراً بالغاً بمصالح الغرب في العالم الإسلامي وفي العالم أجمع، لأن تدهور سلطة الغرب في منطقة من العالم سيؤدي إلى تدهور سلطته في مناطق أخرى. وهكذا سوف تتراجع سلطة الغرب العالمية. لذلك، وحفاظاً على مصالح الغرب في منطقة القرن الإفريقي والعالم، أعطت الولايات المتحدة والغرب الضوء الأخضر لإثيوبيا كي تتدخّل في الصومال وتقضي على -المحاكم الإسلامية-. منذ سنواتٍ والأزمة الصومالية لا تعتبر إلاّ جزئياً أزمةً خاصّة بهذا البلد. فهي تحوّلت بالأمر الواقع إلى نقطة تبلورٍ للصراعات الإقليمية يدفع ثمنها الشعب الصومالي، وباتت، منذ العام 2001، ساحة معركةٍ حقيقية لحربٍ سريّة في إطار المواجهة الأميركية ضد الإرهاب الدولي.
تفاصيل كتاب تاريخ الصراعات السياسية في الســودان والصومــال
التصنيف: المكتبة العامة -> الثقافة العامة
الدار الناشرة: الهيئة العامة السورية للكتاب
بقلم: توفيق المديني
نوع الملف: pdf
أضيف بواسطة: Y4$$3R N3T
بتاريخ: 20-10-2018
عدد مرات التحميل: 3
مرات الزيارة: 410
عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة: Y4$$3R N3T