ختبارات بياجيه النفسية على الطفل:
تعتمد اختبارات بياجيه على الطريقة العيادية: أي على الاحتكاك المباشر و تفاعل الطفل الطبيعي و العفوي مع العمل المطلوب. وقد قام باختبارات عديدة ومتنوعة تقيس كل منها جانباْ معينا من ذكاء الطفل.
1)-اختبارات منطق العلاقات:
في هذه الاختبارات يحاول بياجيه قياس قدرة الطفل على تحليل الأحداث والربط بين الظاهرات والعناصر المتعلقة بموضوع أو فكرة معينة.ويعتبر اختبار الإخوة واختبار اليد أهم الاختبارات التي تعرض لها بياجيه بالدراسة والتحليل بشأن منطق العلاقات.
أ- اختبار الإخوة:
ناقش بياجيه مع الأطفال المسألة التالية:"عندي ثلاثة إخوة: بول وأرنست و أنا".
في هذا الاختبار وجد بياجيه خمسة أنماط من الأجوبة: في النمط الأول، يسقط الطفل نفسه من الحساب، وهذا يعني أن قضية الانتماء لديه غير واردة. عندي اثنان من الإخوة، إذن نحن اثنان، ولا يعتقد الطفل بأنه مع إخوته ثلاثة في العائلة. وفي النمط الثاني، يدرك الطفل أن لديه اثنان من الإخوة و إنه يوجد ثلاثة في العائلة، و لكنه لا يكتشف اللامعقول واللامنطقي في هذا الاختبار. وقد لاحظ بياجيه أن أطفالا تتراوح أعمارهم بين 9-10 سنوات قد أعادوا قراءة اختبار الإخوة و فهموه، ولكنهم لم يكتشفوا اللامعقول، واعتبروا ذلك طبيعيا و صحيحا. و هنا يبقى الطفل عاجزا عن التمييز بوضوح بين قضية الانتماء و قضية الربط بينه وبين إخوته.فهو قد يقول: نحن ثلاثة إخوة؛ وعندي ثلاثة إخوة في العائلة... وفي النمط الثالث من الأجوبة، يحاول الطفل أن يميز بين الانتماء و الربط، و يعتقد أن الخطأ أو اللامعقول هو أنه ينقص اسم الأخ الثالث(أنا). ويعتبر النمط الرابع من الأجوبة امتدادا للنمط السابق، مع فارق في تطور قضية الانتماء و الربط، فالطفل لا يسقط نفسه من الحساب، ويحاول أن يربط بين الأخ و بقية الإخوة. و في النمط الخامس و الأخير الذي يدل على الخروج من غموض الأنوية، إذ يقول نحن ثلاثة في العائلة وعندي اثنان. ومن الواضح أن مفهوم الطفل لهذه المسألة يتطور مع السن كما أثبت ذلك بياجيه.:
السن 0-3 4-7 8-9 10-11 12
النسبة المئوية 19 24 55 87 100
إن اختبار الإخوة يضم عدة مفاهيم يحاول بياجيه أن يكشف تطورها عند الطفل، فهناك مفهوم الارتباط بين الإخوة، وقضية الأنوية و هناك مفهوم العائلة والوطن... فالطفل يعتقد في البداية، بأن العائلة تضم جميع الأشخاص المجاورين للطفل(الجيران مثلا)، وفي المرحلة الثانية يعتقد بأن العائلة هي الأهل في البيت الواحد، وهنا يسقط من الحساب الأقرباء البعيدين عنه. وفي المرحلة الثالثة، يصبح قادرا على تعميم العلاقة.
كما أن هناك صعوبات جمة في تصورات الطفل البصرية للبلاد أو الوطن(حدود، شكل، مناظر...) ولكن الطفل يتحرر من هذا الغموض و الأنوية خلال المرحلة الثالثة التي تبدأ بعد العاشرة. و إذا انتقلنا إلى تحديد الأشياء و الأشخاص، فإن الطفل يبقى عاجزا قبل السنة السابعة عن إعطاء تعريفات سببية أو منطقية، بل يكتفي بتعريف الشيء عن طريق الاستعمال: مثلا الماء هو لنشرب، و الكرسي هي لنجلس عليها...
ب- اختبار اليد:
يتضمن هذا الاختبار أسئلة حول تحديد اليد اليمنى و اليد اليسرى تارة عند الطفل وتارة أخرى عند عالم النفس المستجوب و أسئلة مشابهة لذلك ولكن بتعقيد تدريجي. وقد وجد بياجيه ثلاث مستويات في اجتياز هذا الاختبار: في المرحلة الأولى(5-8 سنوات)لا يتوصل الطفل بسهولة إلى التمييز بين اليد اليمنى واليسرى للشخص المخاطب، والمرحلة الثانية(8-11 سنة) تتميز بقدرة الطفل على إدراك اليمين واليسار حتى بين الأشياء، والمرحلة الثالثة تتميز بنجاح يفوق80% بعد السنة الثامنة، والأسئلة الأخيرة من هذا الاختبار تدل على منطق الربط بين الأشياء بالنسبة لليمين واليسار والتي لا يتوصل الطفل إلى إدراكها قبل السابعة. وفيما يلي نسب النجاح:
السن 6-7 8 9-10 11-12 12وما فوق
نسبة النجاح(%) 8 24 47ـ49 62 66
2)-اختبارات الاحتفاظ بالمادة:
تهدف هذه الاختبارات إلى قياس مدى إدراك الطفل احتفاظ المادة من ناحية الكمية والوزن و الحجم. والطفل الذي يتوصل إلى إدراك تلك العلاقة، يدل على تطورالعمليات الذهنية التي تقوم على مبدأ العلاقات المتبادلة أو العكسية.
أ- اختبار العجين:
نعرض أمام الطفل قطعتين من العجين(معجون للعب الأطفال) لها نفس الشكل و الوزن و الحجم. و يمكن أن نتأكد من ذلك أمام الطفل باستعمال الميزان بالنسبة للوزن، ووعاءين مملوءين بالماء وسلك مطاط بالنسبة للحجم. بعد ذلك، نضع على الطاولة قطعة(1) و نأخذ القطعة الثانية(2) و نخضعها لبعض التحولات الشكلية: نطلب من الطفل أن يحول هذه القطعة(2) إلى فتيل طويل، ثم نسأله أي القطعتين أطول؟ و نتابع معه هذه التطورات، حيث نطلب منه أيضا تحويل القطعة2 إلى طبق أو إلى قطع صغيرة و من ثم نطلب منه ما إذا كانت هذه أكبر من القطعة الأولى؟ ومن الأسئلة المستخدمة في هذا الاختبار:
- هل يوجد الآن في القطعة1 عجين مثل أو أكثر أو أقل من القطعة2؟
- هل القطعة 2 تزن نفس الشيء أم أكثر أم أقل من القطعة1؟
- القطعة2 تأخذ مكانا في الوعاء مثل أو أكثر أو أقل من القطعة1؟
- هل القطعة 1 ترفع المستوى في الوعاء نفس الشيء مثل القطعة2؟
ويجب التنبيه إلى أن الأسئلة يجب أن تكون متشابهة في الإيقاع لئلا توحي للطفل بجواب ما. و هذا الاختبار لا ينحصر فقط في الأسئلة المطروحة بشكل آلي، فهناك حوار بين الطفل والعالم النفساني، بحيث يطلب منه تبرير الجواب.
بالنسبة لاختيار العجين وجد بياجيه ثلاث مراحل:
- الطفل ينفي إمكانية الاحتفاظ بالمادة، و يعتقد بان العجين التي تحولت إلى شكل آخر لا تساوي العجين الأخرى.
- هناك موقف وسط أو مرحلة متوسطة، يعتقد فيها الطفل باحتفاظ المادة، ولكنه لا يؤكد ذلك دائما.هناك تردد وارتباك.
- في المرحلة الثالثة، يدرك الطفل مفهوم الاحتفاظ بالمادة ويؤكد ذلك بتعليلات منطقية. وتشير أبحاث بياجيه التي أجراها على الأطفال في جنيف، بأن الطفل يدرك تدريجيا مفاهيم الاحتفاظ بالمادة(7-8 سنوات)والوزن(9-10 سنوات) والحجم(11-12 سنة). والجدول التالي يبين نسب النجاح:
السن 5 6 7 8 9 10 11
المادة(%) 16 16 37 76 84 - -
الوزن(%) 0 12 24 52 72 76 96
الحجم(%) 0 0 12 28 32 56 82
إن هذا الاختبار يبدو ذا أهمية سيكولوجية وتربوية هامة و بإمكان المربين تطبيقه بسهولة في المدرسة على الأطفال. وهذا الاختبار يساعد المعلم على تفهم عمليات الطفل الذهنية وعلى مدى تفوقه أو تخلفه بالنسبة لرفاقه.
ب- اختبار السكر:
اختبار السكر يطرح صعوبات متدرجة أمام الطفل لأنه يستدعي تصورات ذهنية باعتبار أن السكر يتحول من جسم محسوس إلى سائل يغيب في الماء. ويتضمن هذا الاختبار قطعة السكر مع قدحين من الماء من نفس الحجم والشكل، بحيث نملأ كل واحد منهما إلى ¾ حجمه وبنفس الكمية، ومن المستحسن تحضير ملعقة و ميزان وسلك مطاط للتأكد أمام الطفل من ذوبان السكر و زيادة الوزن وارتفاع الماء بعد ذوبان السكر. و من الأسئلة المطروحة في هذا الاختبار:
- ماذا يحدث إذا وضعت هذه القطعة من السكر في الماء؟(قد يجيب الطفل بان القطعة تذوب وان الماء يرتفع أو ينخفض)
- ماذا تعني بكلمة يذوب؟(أنه يختفي)
- لماذا يختفي ولا نرى شيئا؟
- هل تعرف ما طعم الماء الآن؟(حلو)
- إذن:السكر لم يختف. هل بإمكاننا استرجاع قطعة السكر؟
- هل تعتقد أن الماء يبقى على مستواه إذا وضعنا قطعة من السكر في القدح؟(يرتفع الماء... أو ينخفض)
- لماذا يرتفع الماء؟(السؤال حسب جواب الطفل).
الجدول التالي يشير إلى نسبة النجاح في هذا الاختبار حسب الأعمار:
السن 8 9 10 11 12
المادة 57 57 83 73 90
الوزن 22 40 50 73 80
الحجم 7 37 33 53 57
3-اختبار التسلسل و التصنيف:
يؤكد بياجيه على وجود علاقة بين عملية التصنيف و التسلسل باللغة والمحيط والنضج البيولوجي. لكن دراسات أخرى أثبتت أن عمليات التصنيف و التسلسل واردة عند الصم و البكم. وبالرغم من تطور اللغة عند الطفل فإن استعمال كلمة عصفور مثلا لا تعني بالضرورة أن الطفل قد أصبح قادرا على تصنيف العصفور في مجموعة الطيور و الكائنات الحية. وباختصار فإن اللغة تلعب دوراْ هاما في تطور العمليات الذهنية ولكنها ليست الأساس أو المنطلق. وفيما يلي بعض الاختبارات التي اعتمدها بياجيه في دراسة عمليات التصنيف:
أ- اختبار القطع المدورة والمربعة:
نعرض على الطفل قطعا مربعة ومدورة بينها 5 قطع مدورة زرقاء، ومربعان من اللون الأحمر، ومربعان من اللون الأزرق ونطرح عليه الأسئلة التالية:
هل جميع القطع المدورة زرقاء؟ هل جميع القطع الزرقاء مدورة؟هل جميع القطع المربعة حمراء؟ هل جميع القطع الحمراء مربعة؟
على الطفل أن يدرك هنا العلاقة القائمة بين الشكل و اللون و يتوصل بالتالي إلى تصنيف القطع في مجموعات منسجمة أو متشابهة حسب اللون والشكل. وقد توصل بياجيه في تطبيق هذا الاختبار إلى النتائج التالية:
السن 5 6 7 8 9
النسبة(%) 8 20 50 70 80
ب- اختبار المساطر:
نعرض أمام الطفل 10 مساطر من الخشب يتراوح طولها بين 10 و 17 سم تقريبا و نضعها أمامه دون تنظيم مسبق على الطاولة ونطلب منه أن يصنع منها درجا مبتدءاْ بالمسطرة الصغيرة أو الكبيرة و منتهيا بالكبيرة أو الصغيرة. وتدل النتائج على أن الطفل لا يتوصل في الخامسة إلى حل المسألة، فهو يخفق في تحقق التسلسل المنطقي بين المساطر. في السادسة أو السابعة يتوصل الطفل إلى تحقيق بعض النجاح والتسلسل عن طريق الصدفة وحذف الخطأ. أما في الثامنة وما فوق فإنه يتوصل إلى حل المسألة بنجاح بسبب نمو التفكير المنطقي و العمليات الذهنية المتبادلة. فهو يقارن بين مسطرة وأخرى ويقوم بعملية مقارنة شاملة. ويكتشف الاختلافات و العلاقات القائمة بين الأشياء، مثلا: "أ >ب > ج" أو "ج