إذن ينفرج الباب قليلاً وتتخذ قضايا قتل النساء حصتها في وسائل الإعلام كخبر صحفي منقوص، فمنذ بداية العام الحالي 2010 صار خبر مقتل سيدة في ظروف غامضة صادر عن جهاز الشرطة مألوفاً – إلى حد ما- في الصحف ولكن مبتوراً من التفاصيل والمتابعة ومعرفة ظروف القضية.
ملفات وقضايا قتل النساء تأخذ مجراها الإعتيادي في أروقة النيابة العامة وجهاز الشرطة والمحاكم لكن بلا تغطية متتابعة وتفصيلية من وسائل الإعلام ودون أن تتحول لقضية رأي عام تثير حراك ورفض مجتمعي.
سؤال لافت لماذا مطلوب من الإعلام التوضيح والإسهاب في التفاصيل؟
يعيدنا هذا بالأساس لأسباب وخلفيات وجرائم قتل النساء، فمقتل امرأة يعني تغيير مسار حياة لعائلة بأكملها وبشاعة الفعل (القتل ) الذي لا يتقادم ولا يغسل العار كما يدعي القتلة يذبح الضحية مرتين :بالقتل الفعلي الفاضح بضراوته أولاً وما يلحقها من عار وثرثرة وتشويه واحتمالات لا تحسم براءتها أو عدمها ).
القتلة (من يدعون الشرف) هم من يصنع العار كمبرر للجريمة بتلفيق التهم فالكثير من ملفات النيابة العامة تشير أن القتلة يستسهلون رمي الضحية بسوء الأخلاق وتلفيق تهم باطلة بحقها، ليقوموا بقتلها بدم بارد. فأي شرف في جرائم الشرف كما ذهب عنوان المؤتمر “أين الشرف في الجرائم المرتكبة على خلفية الشرف” برعاية وزارة شؤون المرأة وبتنظيم من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة، ومركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
يأتي هذا المؤتمر في ظل انتظار نسوي وحقوقي لشطب المواد المحلة والمخففة في قانون العقوبات والتي طال الجدل حولها ولم تنجح المؤسسات النسوية حتى الآن بإلغائها بشكل قاطع ونهائي، رغم المطالبة من قبل مجلس الوزراء بتعليق العمل بهذه المواد في الضفة وغزة.
أشار عامر شاهين- مدير مكتب التشريعات في مكتب الرئيس الفلسطيني في مداخلته:” الرئيس الفلسطيني صادق على اتفاقية سيداو، وكذلك الوثيقة الحقوقية للمرأة”.
إذن الباب مفتوح لتعديل وإلغاء المادة (340) من قانون العقوبات الأردني لسنة 1976، وهو القانون الساري في الأراضي الفلسطينية”. تلك المادة التي تقدم العذر المخفف لجرائم قتل النساء.
الغموض لا زال يلف جرائم قتل النساء:
الباحث ياسر علاونة من الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان يشير إلى رصد حالات القتل تبعاً لتوثيق الهيئة كان على النحو التالي: العام 2005 سجل مقتل 10 نساء، وفي عام 2006 رصدت الهيئة 14حالة قتل للنساء،وفي عام 2007 (18) حالة قتل، وهو رقم متصاعد ومتزايد ،بالقليل من التحليل وبالعودة للأسباب نكتشف أن الفلتان الأمني والانقلاب في غزة رفع من وتيرة العنف الداخلي مع غياب سلطة القانون. تناقصت هذه الجرائم عام 2009 لتصل لتسع حالات. ويشير بيان الهيئة أن عدد النساء المقتولات وصل 53 امرأة بينهن ثماني حالات يلّفها الغموض ولم يحدد السبب الرئيس لموتها حيث سجلت كجرائم قتل في ظروف غامضة.
ما يبدو بحاجة للتدقيق هو طرق وأدوات القتل والتي تشير إلى التخطيط المسبق من قبل القاتل من إطلاق النار على الضحية أو طعنها أو تسميمها وفي حالات خنقها وأحيانا ترسم الجريمة لتبدو بفعل ذاتي من قبل الضحية وتسجل كحالات إنتحار، ثم تتكشف ملابساتها وتُظهر تدخل طرف آخر أجبرها على تجرع كميات زائدة من الحبوب المنومة، بل تجبر بعض الضحايا في حالات على تجرع السم بنفسها. وهو ما أكدته عدة بيانات صادرة عن الشرطة أو المؤسسات النسوية.
المتتبع لحالات قتل النساء يسقط مفهوم الشرف التقليدي والمتمثل بإقامة الفتاة علاقة جنسية غير شرعية، فالكثير من الحالات خارج هذا المسمى، وهو ما يثير الغضب ويؤكد أن جرائم قتل النساء نابعة أساساً من منطلق تميزي قائم على أساس جنسها فإذا كانت أعمار المقتولات من النساء تشير إلى أن أصغر الحالات التي قتلت عمرها 3 شهور، وأكبرهن 75 عام فهذا ينفي بالتأكيد مفهوم الشرف وغسل العار، كما تشير نيرمين السراج من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في غزة: “من المهم الاتفاق على مفهوم الشرف أولا، ما يجري حتى الآن هو ربط مفهوم الشرف بالمرأة فقط، هناك أسباب كثيرة وعديدة لقتل النساء، كالميراث وغيره. ولكن يتم استسهال الإعلان على أن الجريمة تمت على خلفية الشرف، فالقانون في هذه الحالة يعطي القاتل فرصة للاستفادة من عذر محل يمنحه عقوبة مخففة. بينما كل الأديان السماوية تحرم القتل، ومنها قتل النساء،لذا هناك حاجة لفحص الأسباب التي تؤدي إلى عمليات قتل النساء تحت مختلف التسميات”.
السيدة سلوى هديب – وكيل وزارة شؤون المرأة رأت أن أصعب ما تواجهه المرأة هو العنف ضدها. وأشارت إلى عدد من المواثيق والإتفاقيات التي تنص على المساواة، وكذلك القانون الأساسي الفلسطيني ووثيقة الاستقلال. مشيرة لدور اللجنة الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة. وضرورة تطبيق التوصيات المتعلقة بإحلال المساواة بين الرجال والنساء التي نصت عليها القوانين، وكذلك العمل على توفير الحماية للنساء المتعرضات للعنف. وتوعية المجتمع المحلي حول خطورة ظاهرة العنف من خلال التعاون الحثيث مع وزارة الشؤون الاجتماعية وبيوت الحماية الثلاث الموزعة في محافظات الضفة ولا زالت غزة بلا بيت حماية آمن للنساء.
الإعلام أخفق في دوره الرقابي ولكن هناك محاولات جادة:
دور وسائل الإعلام في رفع مستوى الوعي حول موضوع العنف ضد المرأة حصد الثلث الأخير وقدم تجربتين للإعلام المحلي الفلسطيني والإعلام الدولي العامل في فلسطين.
باولا هانكوك مراسلة قناة (CNN) تحدثت حول العنف ضد النساء في المناطق الفلسطينية المحتلة مشيرة إلى أن دور وسائل الإعلام في هذا المجال يقوم على شرح معاناة وتجارب النساء المتعرضات للعنف. كما أن من المهم لوسائل الإعلام لعب دور يقوم على التوعية بخطورة العنف للتصدي له قبل وقوعه. وأشارت إلى أن وسائل الإعلام تواجه صعوبات في تغطية هذه الظاهرة بسبب محاولات التعتيم التي تحاط بها.
بينما ذهب الصحافي الفلسطيني منتصر حمدان منسق لجنة الرصد في المنتدى الإعلامي لنصرة قضايا المرأة، إلى تجربة عملية موضحاً ما خرجت به الدراسة من إخفاق ملحوظ في تغطية الصحف الفلسطينية الرئيسية في تغطية جرائم قتل النساء خاصة على خلفية ما يسمى القتل على “خلفية الشرف”، مستندا في ذلك على تقرير رصد جرائم قتل النساء الذي نفذته لجنة الرصد في المنتدى بدعم من مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي. حيث أشارت النتائج إلى حالة ضعف مهني في تغطية جرائم قتل النساء، مستنداً إلى القانون ألأساسي وقانون المطبوعات والنشر اللذان يضمنان حق الظهور العادل للمرأة في وسائل الإعلام المحلية.
الاحتلال لعب دوراً في تكثيف هذه الظاهرة واستخدامها في إثارة الفزع داخل المجتمع وعمليات الإسقاط للطرفين رجالاً ونساءً من خلال التهديد واللعب على هذا الوتر الاجتماعي المشدود على الدوام كما نوه الكثير من الحاضرين وكما أشار المستشار القانوني لمؤسسة الحق ناصر الريس، فعمليات الإسقاط لشبان وفتيات فلسطينيين كانت تتم بالتهديد بقضايا تتعلق بفضح ممارسات جنسية أو تركيب الكثير من القضايا وتلفيقها لتخرج بشكل قضية اجتماعية تجلب العار للضحية وهو منهج يتعارض مع اتفاقيات جنيف الرابعة لحماية المدنيين.
وهو ما تطرقت إليه مها أبو دية- مديرة مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي حيث ترى أن ظاهرة قتل النساء هي ظاهرة عالمية وإقليمية وليست محلية فقط تقول: “الخلاف يدور حول تعريف مفهوم شرف الأسرة عندما يتعلق الأمر بقتل النساء. في الواقع الفلسطيني وبسبب غياب سلطة ذات سيادة فعلية ومتكاملة، تتعدد مسؤوليات الحماية بين مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية، والمؤسسات الدولية وأيضا مسؤولية الدولة المحتلة إسرائيل، لان القانون الدولي واضح بكون الاحتلال ملزم بتوفير الحماية للمدنيين”.
ولذلك فان توفير الحماية، للمجتمع الفلسطيني بأكمله، ومن ضمنه النساء الفلسطينيات، هو مسؤولية مشتركة. ويقع الدور الكبير على عاتق الحركة النسوية الفلسطينية كونها تعبر عن وجهة نظر ومواقف النساء، حيث يكمن التحدي الذي تواجهه الحركة النسوية في إيصال صوت النساء الفلسطينيات إلى المؤسسات المحلية والدولية التي تهتم بحقوق الإنسان، والسلم الاجتماعي، وحثها على الوقوف بحزم أمام عمليات قتل النساء.
ربيحة ذياب- وزيرة شؤون المرأة راعية هذا المؤتمر تقول :” ظاهرة قتل النساء كانت موجودة على الدوام، إلا أن عنف الاحتلال لم يكن يعطي الفرصة لنا للتركيز على هذه الظاهرة، بل كان يتم حلها من خلال التدخلات العشائرية. لكن الآن ونحن نحث الخطى من اجل تجسيد بناء الدولة الفلسطينية، عبر بناء مؤسسات وأسس هذه الدولة فان هناك حاجة للاهتمام بذلك، وخاصة انه يظهر أن هناك مؤشرات على تزايد العنف وحالات قتل النساء في الآونة الأخيرة”.
الطريق لا زالت طويلة ووعرة جداً في التخلص من ظاهرة قتل النساء على خلفيات تميزية واضحة ولكن بدء الحديث والصراخ يفتح باب للحوار والتصدي لها فالديانات السماوية ترفض قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كما اتفق الشيخ إبراهيم خليل عوض: وكيل مساعد في دار الإفتاء الفلسطينية ومفتي رام الله والبيرة وسيادة المطران عطا الله حنا- رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس على تحريم القتل ورفض معاقبة على الجناية دون إثبات مؤكدين أن إثبات الجناية لا يجوز إلا من قبل جهة قضائية، كما يرفض الدين أخذ القانون باليد وهو موقف تعول عليه النساء كثيراً كنقطة قوة دائمة في تصديهن لهذه الظاهرة، فلا شرف أبداً في الجريمة كبرت أم صغرت